واستمر الحال، ودخلوا كثيراً من البلاد، ويئس الناس وقنطوا، وارتفعت أصواتهم لله بالدعاء، وأراد الله أن يعلم الأمة الإسلامية أن النصر قد يأتي على غير أيدي العرب، وأن العرب إنما هم أمة وبشر من خلق الله، إن استقاموا على أمر الله نصرهم، وإن خالفوا دحضهم وهزمهم، فأتى قطز السلجوقي المملوكي، وهو عبد -وكلنا عبيد لله- فدعا الأمة الإسلامية وهو ليس بعربي، فاستجابوا له، والأمة تتحرك بلا إله إلا الله، ولا تحيا إلا على الجهاد:
يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد
كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد
القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد
جثث البرايا منهم في كل رابية وواد
فدعا قطز في القاهرة بالجهاد الإسلامي المسلح، وأعلن أن المعركة معركة لا إله إلا الله، فاستجاب له المسلمون، وطمت الكتائب، وماجت الجيوش الإسلامية إلى مصر، فاستعرضها فكانت مهللة مكبرة، خرج الشرك من دمائها ومن عروقها وحل مكانه الإيمان، فالتقى في عين جالوت مع المغول والتتار، وكادت في أول معركة أن تكون خطة عظيمة على الإسلام والمسلمين من الهلاك، فعادوا إلى الله ولم يعودوا إلى شرق ولا إلى غرب، ولا إلى مجلس أمن ولا إلى مجلس خوف! وإنما عادوا إلى الواحد القهار، ورددوا في المعركة: (يا حي يا قيوم! لا إله إلا أنت برحمتك نستغيث).
تقطعت الحبال بهم إلا حبل الله، وأغلقت الأبواب أمامهم إلا باب الله، وهزمت الميمنة والميسرة، وبقي قطز في المقدمة، فلما رأى أن الهزيمة سوف تحصل؛ ألقى الخوذة من على رأسه وداسها برجله وقال: وا إسلاماه، أيهلك ويموت الإسلام؟! وأخذ يردد (وا إسلاماه) ففاضت عيون الجيوش الإسلامية بالدموع، وألقوا الدروع من على أجسامهم، وقاتلوا قتال من يريد الله والدار الآخرة، فهزم الله التتار شر هزيمة وقتلهم وفرقهم شذر مذر.
ودخلت طائفة منهم دمشق فرأت في نفسها القوة فخرج لها شيخ الإسلام ابن تيمية العالم الإمام العبقري النحرير، المجدد القوي، خرج وهو في رمضان، فتناول كأساً من الماء وهو صائم أمام الناس، وأمرهم بالفطر، ثم قال لهم: " والله لتنتصرن! والله لتنتصرن.
فقال له الناس: قل إن شاء الله: قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً ".
تحقيقاً يقع: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج:40] وخرجوا إلى شقحب وظهر الحق وبطل كيد الجائرين، ونصر الله الأمة.