يقف عمر بن الخطاب على المنبر يوم الجمعة، وكلكم يسمع ويعرف عمر بن الخطاب، فيقف وهو خليفة المسلمين، تحت يديه ذهب، وفضة الدنيا، وأموال الدنيا، فيقرقر بطنه من الجوع فقال لبطنه: [[قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] وذلك في عام الرمادة، يقول: لماذا تشبع وأطفال المسلمين ما شبعوا؟ ثوبه مرقع، ومع ذلك يهتز كسرى وقيصر من عظمته وذكره.
يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه
قال البخاري في الصحيح في كتاب الرقاق: باب الرقاق، وقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد:36] وقال علي بن أبي طالب، أبو الحسن، أمير المؤمنين الذي ما ملك من الدنيا لا قليلاً ولا كثيراً، عنده ثوب وسيف يقطع به رءوس أعداء الله، ومصحفه في صدره، وعنده طريق إلى الجنة، وعنده ثوب يواري به جسمه، وكسرة خبز، يقول في صحيح البخاري: [[ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]].
قال معاوية لـ ضرار بن الحارث الصدائي كيف رأيت علي بن أبي طالب؟ -بعد ما مات- قال: [[والله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته في ظلام الليل، وهو يبكي بكاء الفطيم، ويتململ تململ السليم، ويمسك لحيته بيديه، ويقول: يا دنيا يا دنية طلقتك ثلاثاً، غري غيري زادك حقير وعمرك قصير، وسفرك طويل، آه من وحشة الزاد وبعد السفر، ولقاء الموت]].
ونسبت إليه مقطوعة يقول فيها، هي مقطوعة لمن يريد الجنة:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الموت نبنيها
فا عمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها