اجلس مع المسمومين فكرياً المنهزمين روحياً، وقل حدثني عن أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا، أتريد أن يحدثك عن الانفصام الأسري الذي يعيشه الغرب؟! الانفصام الأسري الذي تحدث عنه سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي في ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ أتظن أنه سوف يتحدث لك عن قيمة رخص الإنسان هناك وعن ارتفاع قيمة الكلب؟
أصبح الكلب يغسل ويطيب وتعلق السلاسل في عنقه ويجلس مع السائق في السيارة! أيحدثك عن المسارح التي أصبحت المرأة فيها أقل من الحذاء، وأرخص من الصفر، وأصبحت زانية عاهرة في كل مكان؟ أيحدثك عن الانتحار؟ قرأت وما أزال أقرأ، وأنا معجب بذلك الكتاب، وعسى الله أن يعينني أو بعض طلبة العلم على أن أنسج على منواله، مذكرة وهو كتاب دع القلق وابدأ الحياة الذي ألفه دايل كارنيجي اللماح الذكي، فهو كتاب أعجب من العجب، بيع منه ثمانية ملايين نسخة، وطبع ست عشرة طبعة، ويتحدث عن المأساة التي يعيشها الغرب هناك وعن حالات الانتحار، أظنه يقول: في كم ثانية تحصل حالة انتحار في أمريكا، وعد في ولاية تكساس كم عدد الذين ينتحرون، وبإمكانكم أن تراجعوا هذا الكتاب، وهو يدعو إلى الإيمان، لكن على طريقة المسيحيين.
ومحمد الغزالي المفكر العصري له كتاب اسمه جدد حياتك حاول أن ينسج على منواله وللشيخ عبد الرحمن السعدي العلامة الكبير -رحمه الله- كتاب اسمه الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
وفي نظري أن كتاب دع القلق، يحتاج هذا إلى أن تؤخذ الأحكام التي فيه والقواعد والتجارب التي أتى بها علماء الغرب مثل وليم جيمس وألكسس كارل، وغيرهم وتوضع مع الأحاديث النبوية والقصص والآيات ثم تقدم في كتاب، وإن شاء الله يحصل هذا.
ومقصودي من هذا: أن هؤلاء لا يتحدثون عن الانتحار، أو الزنا، أو الفحش، أو التدمير الذي بلغه أولئك، لكن يحدثونك عن ناطحات السحاب.
يقول: في تكساس عمارة ارتفاعها مائة وستة وخمسون دوراً، وهناك في الأرض ممرات أرضية، وضغطنا لأحد الأزرار فنقلنا مرة واحدة أربعين دوراً، وننزل في عربية وتحملنا إلى القطار، وهناك الطائرة لا تحجز من قبل، تأخذ أنت كأنك في سيارة تذكرة وتركب.
وحضاراتهم من أكثر من مائتي سنة، ويذيع أنهم تطوروا تطوراً عجيباً.
لكن لماذا يعجب بحضارة الكافر المادية، ولا يخبرنا بما بلغوا إليه من التردي في الروح؟ يقول الله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] والله يقول عنهم: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] ويقول سبحانه عن حضارتهم: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35].
خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا
فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا
يعجبون بحضارة الكافر، والله يقول: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} [التوبة:55]؟! أتعجب من إنسان ما عرف مصيره؟! يعملون هم لستين سنة فقط لكن عالم الغيب لا يعرفونه، فهم محجوبون عنه تماماً، فأي حضارة تنبني على كفر وإلحاد لا خير فيهما.
ومن أحسن الكتب التي ألفت في هذا الباب كتاب أبي الحسن الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين فهو من أروع ما كتب! على يد رجل جرب الثقافة الغربية وعرفها، ومن أحسن من يتحدث عنها رجلان؛ أديب شاعر ومفكر كاتب؛ أما المفكر الكاتب فـ سيد قطب في الظلال، وأما الأديب الشاعر فـ محمد إقبال، وكلا الرجلين توافقا حتى يقول سيد قطب: ربما توافقنا حتى في الألفاظ، وكلا الرجلين سافر إلى الغرب ودرس هناك وحضّر شهادته من هناك، ولكنه عاد بقضية أن الإسلام هو دين الله الحق في الأرض، وأنه لا سعادة للإنسان إلا بالإسلام.
أخبرنا بعض الأساتذة الدعاة الكبار أن رجلاً إنجليزياً من بريطانيا كلف بأن يبحث بحثاً للدكتوراة في كتب التفسير، وأخذوا عليه موثقاً ألا يقرأ الظلال لـ سيد قطب، يقولون اقرأ التفاسير كلها: تفسير الخازن وفتح القدير لـ الشوكاني وتفسير ابن كثير وتفسير ابن جرير وتفسير الطبري، لكن احذر الظلال فهو ليس من مهمتك، وأحب شيء إلى الإنسان ما منع منه، فأنت إذا منعت الطالب أن ينظر إلى النافذة في وسط الحصة جلس دائماً ينظر إلى النافذة كلما غفلت عنه، اترك طفلك في الغرفة، ولا تقل له: لا تخرج فسوف يبقى، لكن قل له: لا تخرج، ولئن خرجت لأضربنك فسوف يخرج.
يقول علي بن أبي طالب: [[لو منع الناس من فت البعر لفتوه]] يعني: لو أتيت الناس تخطب يوم الجمعة تقول: لا تفتوا البعر فهذا حرام؛ لخرجوا من المسجد وفتوه، وقالوا: ماذا فيه؟ أي أن الإنسان مغرم بالمخالفة فأتى هذا الرجل، فقال: لماذا منعوني من سيد قطب في الظلال وذهب إلى القاهرة، وأتى أول ما أتى المكتبة قال: أين الظلال لـ سيد قطب؟ قالوا: هذا هو، وكان يجيد اللغة العربية فقرأ لرجل يستفيض إلهامات، فقد درس سيد قطب ثقافة موسكو بل جلس فيها فترة، وفي دنفر فترة، وفي أوروبا فترة، فتكلم معه وحاوره في الكتاب -وسيد قطب قتل كما تعرفون- وبعد ما وصل سورة الأنفال أعلن هذا الرجل إسلامه، وألغى رسالته، وأنا أدلكم أن تقرءوا هذا الكتاب كثيراً.