المسألة التاسعة عشرة: قبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده للصدقة.
وهذا من خصائصه؛ فإنه لا يأخذ الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس، ولكنه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، فقد أهدي إليه خميصة أبي جهم فصلى بها فرأى أعلامها -كما في البخاري - فشغلته في الصلاة، فخلعها وقال: {اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بإنبجانية أبي جهم} لماذا يقول: ائتوني بها؟ لئلا يجد في نفسه، فالإنسان المسلم لا يرد الهدية؛ لأن المسلم يجد في نفسه، إلا إذا كانت الهدية هذه ثمناً لدينه أو رشوة عمل فإنها لا تقبل، أو غرضاً ليدخل به في حرام فلا تقبل، والمسلم على بصيرة.
والرسول صلى الله عليه وسلم قبل جبةً من ديباج أهداها له وفد بني تميم، فلما صلَّى بها صلى الله عليه وسلم أخذ الصحابة يتعجبون منها ويمسكونها ويتمسحون بها، قال: {أتعجبون منها؟ والله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها} وقد قرئ هذا الحديث على محمود بن سبكتكين فبكى حتى أغمي عليه، وهو سلطان المشرق الذي هدم ألف صنم في أرض داهر والهند والسند، وهذا السلطان العظيم ترحم عليه علماء الإسلام لما توفي، وقد وقف أملاكه كلها في خدمة الإسلام والمسلمين، وأتى إلى صنم فإذا هو من أوله إلى آخره من ذهب وياقوت وزبرجد، فقال له الملك داهر: خذ هذا الصنم واشتره مني واترك لي هذه الرعية.
فقال: والله لا أفعل، أتريد مني أن أدعى على رءوس الأشهاد يوم القيامة يا بائع الأصنام؟ بل أريد أن أدعى يوم القيامة يا مكسر الأصنام.
فقال محمد إقبال:
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا
يقول: نحن نكسر الأصنام ونهدم فوقها الكفار، أما غيرنا فيبيع ويشتري الأصنام.