ومما ينبغي على الداعية ألا يستدل بحديثٍ موضوع، إلا على سبيل البيان، فإنه يعلم أن السنة -والحمد لله- ممحصة ومنقاة، وأنها معروضة، وأن أهل العلم نقوها، ولذلك لما أُتي بالمصلوب الذي وضع أربعة آلاف حديث على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كذباً وزوراً أُتي به إلى هارون الرشيد ليقتله، فسل هارون الرشيد السيف، قال: اقتلني أو لا تقتلني فوالله، لقد وضعت على أمة محمد أربعة آلاف حديث، قال هارون الرشيد: ما عليك يا عدو الله ينبري لها الجهابذة يزيفونها ويخرجونها كـ ابن المبارك وأبي إسحاق المروزي، فما مر ثلاثة أيام إلا وقد نقاها عبد الله بن المبارك وأخرجها وبين أنها موضوعة، فلله الحمد على منته.
فالأحاديث الموضوعة مبينة، وأنا أحذر إخواني الدعاة ألا يذكروا الناس بحديثٍ موضوع، ولو قال: إن فيه مصلحة ردهم إلى الله، فالمصلحة كل المصلحة فيما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والأحاديث الموضوعة كأحاديث علقمة وما واجه مع أمه، وكأحاديث ثعلبة والزكاة، وكأحاديث أخر بواطل، لا يصح الاستشهاد بها؛ لأن ضررها على الأمة عظيم، وأثرها على الأمة سقيم، لكن يجوز للداعية أن يبين للناس في مثل محاضرة أو درس أو خطبة الأحاديث الموضوعة وينبه الناس عليها.
كذلك الأحاديث الضعيفة لها شروطٌ في الاستدلال، فيستدل بالحديث الضعيف عند بعض أهل العلم بثلاثة شروط:
أولاً: ألا يكون شديد الضعف.
ثانيا: أن تكون القواعد الكلية في الشريعة تسانده وتؤيده.
ثالثاً: ألا يكون في الأحكام، بل يكون في فضائل الأعمال.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله وأسقاه من سلسبيل الجنة- عن الإمام أحمد في المجلد الثامن عشر من الفتاوى أنه قال: إذا أتى الحلال والحرام شددنا، وإذا أتت الفضائل تساهلنا.
وهذا كلامٌ جيد، ولو أنه غير مجمع عليه.