يأتيه أهل اليمن؛ فيقولون: يا رسول الله! أرسل لنا من أصحابك رسولاً يعلمنا ويفقهنا في الدين، فمن يرسل يا ترى؟
هل يختار الذين بلغوا في السن عتياً، يتلفت فإذا أصحابه شباب، فتقع عينه على معاذ رضي الله عنه وهو في الثامنة عشرة من عمره، فيرسله معلماً إلى اليمن.
يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة معاذ: لما ودعه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام بكى معاذ بكاء عظيماً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما لك يا معاذ؟ قال: والله يا رسول الله! ما أبكي على الدنيا، ولكني أبكي خوفاً من ألا أراك بعد هذا اليوم إلا يوم القيامة، قال: لا تجزع يا معاذ فإن البكاء من الشيطان} فودعه صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن، يا معاذ اُذكر الله عند كل حجر وشجر ومدر} فذهب رضي الله عنه وأرضاه، فأصبح سراجاً وهاجاً ينشر لا إله إلا الله في بلاد اليمن، وفي جبال وأرض اليمن ينشر مبادئ الدين الخالد وعمره (18) سنة، ووجد في الأمة من بلغ من العمر عتياً وهو لا يفهم لا إله إلا الله، ولا يحسن أن يتوضأ ولا يصلي.
يعرف كل شيء في حياته إلا الدين، يجيد قيادة سيارته وهندستها وإخراجها وإنتاجها، وثوبه ولبسه وطعامه وشرابه ومسكنه ومدخله ومخرجه، ولكنه أصم أغلف عن الدين، والله له حكمة بالغة؛ ولكنه يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].