وخبيب بن عدي شاب آخر، وقف على مشنقة الموت في ساحة الإعدام وجميع مشركي مكة مطوقوه، نساءً وأطفالاً وشيوخاً، ينظرون إلى، مثلة الإعدام، اعتداء الباطل على جثمان الحق وهو صابر محتسب، ما أراهم خنوعاً ولا خضوعاً، يتبسم تبسم المستعلي بإيمانه، المستظهر بيقينه، حتى يقول أبو سفيان وهو يستهزئ به: يا خبيب! أتريد أن محمداً مكانك؟
قال: والله الذي لا إله إلا هو ما أريد أني في أهلي ومالي، وأن رسول الهدى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصيبه شوكة، فرفعوه، وقبل أن يرفعوه، قال: ائذنوا لي أن أصلي ركعتين، فتركوه، فتوضأ وصلى ركعتين، ثم التفت إليهم وقال: والذي لا إله إلا هو لولا أني أخاف أن تقولوا: أطلت الصلاة جزعاً من الموت لأطلتها، فرفعوه وتقدمت إليه السيوف، وقال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم أبلغ رسولك ماذا لقيت الغداة -يعني أبلغه هذا اليوم ماذا يفعل بي- ثم قال: السلام عليك يا رسول الله.
هذا في سيرة موسى بن عقبة، قال موسى بن عقبة: وصح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في تلك اللحظة: {عليك السلام يا خبيب! عليك السلام يا خبيب، عليك السلام يا خبيب} وقبل أن تنتهي نفسه؛ قال أغنية المعركة الخالدة:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع