وفي ترجمة الشافعي، أن الشافعي كان إذا قرأ كتاباً يضع يده على الصفحة اليسرى فيغطيها لئلا يسبق نظره إليها فيحفظها.
قال لشيخه وكيع بن الجراح؛ الإمام الكبير، الذي يلقب بأمير المؤمنين في الحديث، قال له: يا شيخ! ما هو أنفع للحفظ، فإني سمعت الناس يقولون: اللبان، وناسٌ يقولون: الزبيب.
قال: أنفع شيء للحفظ ترك المعاصي.
ليس أكل الزبيب ولا أكل الباذنجان، ولا البطاطس، إنما أنفع شيء للحفظ هو ترك المعاصي، فقال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نورٌ ونورُ الله لا يهدى لعاصي
إذاً: فمن أحسن ما يعين على حفظ الحديث: ترك المعاصي.
ذكر الذهبي وابن كثير، وغيرهما عن عامر الشعبي، أن عامر الشعبي قال: إني لأضع إصبعيَّ في أُذُني إذا نزلت السوق لئلا أحفظ أصوات الناس.
وهو في هذا الشأن رجل داهية، لماذا؟ لأنه اتقى الواحد الأحد، عرف طريقه إلى الله، فبصره الله، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] قالوا: من العلم؛ فإنهم لما عصوا الله، وفسقوا، ونظروا إلى المحرمات، نسوا العلم، فقل لي بالله: كيف يحفظ طالب الحديث الحديث وهو ينظر إلى المرأة الفاتنة؟! وإلى المجلة الخليعة، أو يستمع إلى الأغنية الماجنة، ويجلس مع الفسقة، أو يتخلف عن الصلاة، أو لا يذكر الله إلا قليلاً، أو يغتاب في مجلسه، أو ينم، أو يلبس الذهب والحرير، أو يرائي، أو يعجب بنفسه، أو يتكبر، فكيف يحفظ الحديث؟!!
إذاً، أيها الإخوة الأخيار: إن المعاصي أكثر ما يسقم القلب، فممّا يوصى به طالب الحديث أن يستغفر كثيراً، وإذا أخطأ أن يتوب؛ لأن طالب الحديث ليس معصوماً، قيل لـ الجنيد بن محمد: أيزني الولي؟ قال: سبحان الله! {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب:38] لكن عليه إذا أخطأ أن يتوب إلى الله، وأن يعود إلى الله، فعند الترمذي بسند صحيح، قوله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} وعند مسلم: {يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} وعند مسلم: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم} وعند الترمذي بسند حسن: {كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون} فالتوبة التوبة، والاستغفار الاستغفار.