وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {وحفتهم الملائكة}؛ فإن لله ملائكة، ومعتقد أهل السنة والجماعة أن لله ملائكة، نؤمن بهم على الجملة والتفصيل، وأن الله جعل لهم تخصصات: منهم ملائكة القطر، وأخرى لتنزل الذكر كجبريل الذي نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام، وملك الجبل هذا مهمته فقط الجبال، وملك للريح، وملك آخر لقبض الأرواح {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام:60] وملك للصحف، وحفظة يحفظونه من أمر الله أي: بأمر الله، وملائكة فضلاً، يقول في الحديث عند مسلم فضلاً: أي زائداً على عدد الملائكة وليس لهم عمل خاص محدد غير البحث عن حِلَق الذكر يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موطن أربع أصابع إلا فيه ملك ساجد أو راكع أو قائم} {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] لما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:30]؛ يعني: على النار تسعة عشر، فضحك أبو جهل، ووضع رداءه على وجهه يضحك، المجرم؛ الخبيث؛ ويغمز لأصحابه المجرمين، ويقول: تسعة عشر، أنا أكفيكم يا قريش بعشرة واكفوني بتسعة؛ انظر بطولة الفجور والخيانة!! فأنزل الله بعدها: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] هذا للتسعة عشر منهم، الواحد له من الأجنحة ما يسد الجناح الواحد ما بين المشرق والمغرب، فهذا جبريل عليه السلام بجناح واحد أخذ قرى قوم لوط ستمائة ألف، ورفعها حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب ثم قلبها وألحقهم بالحجارة، هذا ملك من الملائكة، فكيف بالآخرين الذين في السماء الرصد الهائل والجيوش؟ الله عزوجل لما اتصل به رسوله في بدر، يقول: إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض، فنزل جبريل يقود معه ألف من الملائكة، فيقول حسان؛ ويحق لـ حسان أن تندفع قريحته الشاعرية الهائلة، يتفجر بأشرف بيت قالته العرب يقول:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمدُ
يقول: يا مجرم يا أبا جهل! من عندك تحت اللواء؟ من هي قيادتك؟ من الذي يصدر لك الأوامر؟ الشيطان!! {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:48].
وأقصد من كلامي هذا أن أقول: إن هناك ملائكة فضلاً؛ -أي زيادة- يدورون على حلق الذكر وهم الذين يحفونها؛ لأنه ليس عندهم عمل إلا هذا، ولله المثل الأعلى.
يقول: عملهم أنهم يخبرون، ويرفعون الأذكار، كما في صحيح مسلم، قال: {هل رأوني؟ -وربهم أعلم بهم- قالوا: ما رأوك.
قال: كيف لو رأوني؟! قالوا: كانوا أكثر تسبيحاً لك، قالوا: ويستعيذونك.
قال: مم يستعيذونني؟ -وهو بهم أعلم- قالوا: من النار.
قال: هل رأوها؟! قالوا: ما رأوها.
قال: كيف لو رأوها؟! قالوا: كانوا أشد استعاذة.
قالوا: ويسألونك، قال: ماذا يسألونني؟ قالوا: الجنة، قال: هل رأوها؟! قالوا: ما رأوها قال: كيف لو رأوها؟! قالوا: كانوا أكثر مسألة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقولون: يا رب! معهم فلان إنما جلس معهم هكذا} ما جلس للدرس أو للمحاضرة إنما صلى المغرب ثم اضطر للجلوس لحاجة {قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} قال أهل العلم: هكذا أي: ما قصد المجلس ولا قصد الذكر وما قصد أن يستفيد، فغفر الله له بسببهم.