وأما غشيان الرحمة فإن رحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى واسعة وهي خاصة وعامة؛ خاصة للمؤمنين وهي معنى الرحيم {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] والرحمن عامة للمؤمن والكافر وفي الدنيا والآخرة، يقول سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] وفي الحديث الصحيح: {إن رحمتي سبقت غضبي} فنسأل الله أن يرحمنا وإياكم رحمة عامة وخاصة.
في مجالس الذكر تغشى الرحمة الجالسين كلهم، فيدخل فيهم حتى من قصر في العمل؛ لأن المؤمنين يقولون: وهب المسيئين منا للمحسنين، والمعنى: من جلس منا محسناً فأدخل المسيء منا معه، ولذلك يقول أحدهم: يا أيها المقصر! اهجم هجمة الكذابين على باب الباذلين كأنك طفيلي، وقف بيدك على الباب وقل: تصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين، علَّ الله أن يفتح لك الباب.
فأنت إذا جلست مع الأخيار لحقت بهم.
يقول ابن كثير في تفسيره: "الكلب لما رافق الأخيار في القرآن، ذكره الله في القرآن: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18] ".
ذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان أن الخليع الشاعر كان رافضياً، يحب الرافضة، فلما أتته سكرات الموت أمر أن يدفن في النجف، وأمر أن يكتب على قبره {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18] يستحق، قالوا: فلما مات، حملوه، وحفروا له قبر في النجف، وكتبوا: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18].
يقول ابن كثير: فانظر كيف شرفه الله، لما رافق الصالحين فبقي الكلب يصاحبهم في القصة من أولها إلى آخرها.
هكذا تكون رفقة الصالحين:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة
وقال غيره:
عن المرء لا تسألْ وسل عن قرينه فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي
ولذلك تجد الخيّر إذا رافق الأشرار أصابه الشر والذلة والحسرة حتى يلحق بهم، ولو كان بريئاً، فيقولون: فلان يرافق فلاناً السيء انتبهوا له، فتصبح عليه وسام عار، ووصمة عيب.