أما هداية الدلالة: فهي للرسول عليه الصلاة والسلام.
وميزتنا أن لنا على الصراط هادٍ يهدينا، والصراط صراطان: صراط هنا في الدنيا، وصراط هناك في الآخرة.
فالصراط هنا: طوله من هنا إلى الجنة أو إلى النار، وفيه كلاليب، وكلاليبه: الشهوات، والشبهات.
والصراط هناك: كما في الأثر: {طوله شهر، أحد من السيف، وأدق من الشعرة، وأحمى من الجمرة، على متن جهنم، فيه كلاليب} وكلاليبه: مثل شوك السعدان، فمن تخطفته كلاليب الشهوات والشبهات في صراط الدنيا تخطفته الكلاليب في صراط الآخرة.
والناس على الصراط الأخروي مثلهم على الصراط الدنيوي، والله المستعان.
فإن مِن الناس مَن تختطفه الشهوات فتخطفه هناك، ومنهم من تخطفه الشبهات فتخطفه هناك، ومنهم من يسلم قليلاً فيصبح ساعياً، ومنهم من تخدشه فيُجْرَح ويَنْجُو، ومنهم من يُكَرْدَس في جهنم.
والرسول صلى الله عليه وسلم وصف الناس هناك كوصفهم هنا، فقال: {منهم من يمر على الصراط كلمح البصر، ومنهم كالبرق، ومنهم من يسعى، ومنهم من يمشي، ومنهم من يحبو، ومنهم المخدوش الناجي، ومنهم المكردس على وجهه في النار}.
فالناس على الصراط هناك مثل ما هم على الصراط هنا.
قيل في الرسول عليه الصلاة والسلام:
في كفك الشهم من حبل الهدى طرفٌ على الصراط وفي أرواحنا طرفُ
ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله في وصف الصراط المستقيم: أنه يحمل خمس صفات:
الأولى: قربه.
الثانية: اتساعه.
الثالثة: استقامته.
الرابعة: إيصاله للمقصود.
الخامسة: وجود الإمام في أوله.
وقصدي: أن الذي يدل على هذا الصراط محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول أحد الشعراء، يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام:
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
أدلجنا: أي: مشينا في الليل.
فإما حياة نَظَّم الوحيُ سيرَها وإلا فموت لا يسر الأعاديا
رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا
فالإمام -إمام الصراط- هو محمد صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52].
والله على صراط مستقيم، قال أهل العلم: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:56] فهو سبحانه على صراط مستقيم، ورسوله على صراط مستقيم.
وفُسِّرَ (الصِرَاطٍ المُسْتَقِيمٍ): بالقرآن, وفُسِّرَ أيضاً: بالإسلام، وفُسِّرَ كذلك: بمحمد صلى الله عليه وسلم.
قال أبو العالية: [[الصراط المستقيم: محمد وصاحباه]].
قال الحسن البصري: [[صَدَقَ ونَصَحَ]].
والصحيح أن الصراط المستقيم: هو الإسلام، والقرآن، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهو النور كل النور.
وأما هداية التوفيق: فلا يملكها إلا الواحد الأحد.
يربى الشاب في بيت شيخ علم من علماء الدنيا، فينشأ الشاب مارداً فَتَّاكاً لصاً مجرماً مروِّج مخدرات.
وينشأ الشاب في بيت المجرم المروج للمخدرات فإذا هو ولي من أولياء الله، كأبناء الصحابة.
فمن الذي أهدى وأغوى؟ إنه الواحد الأحد {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56].
فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مؤمن
فموسى (السامري) رباه جبريل فكفر، وموسى رباه فرعون فأصبح رسولاً.
فالهادي هو الواحد الأحد.