يقول عليه الصلاة والسلام كما عند الحاكم بسند صحيح: {يأتي القرآن والصيام يوم القيامة فيقول القرآن: يارب! منعت هذا نومه بالليل -أي يتهجد ويقرأ- فيشفع في صاحبه، ويقول الصيام: يارب! منعته طعامه في النهار فيشفع في صاحبه}.
ويقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه}.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة}.
إننَّا نستشف من الحديث فائدة كبرى وهي: أن القرآن والإنفاق لهما فضل كبير، وهذا شهر القرآن والإنفاق: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29 - 30].
وكلكم يعرف الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم ويسمع بجهدها ويطلع على ما تقوم به، أهي مؤسسة غنائية؟ لا.
أو للفنون التشكيلة؟ لا.
أو للكرة؟ لا.
بل هي لكتاب الله، وهي مؤسسة نيرة أخذت على عاتقها أن تأتي بشباب الأمة من المقاهي والنوادي الحمراء، والضياع والمنتزهات والسقوط في المخدرات إلى المساجد.
قد أخذت على عاتقيها أن تحفظ أبناءنا كتاب الله، إنها جمعية يجب أن يصرف لها أكبر قدر من أموال المسلمين، فهي تعيش في ضمائر كل مسلم، سل ابنك، وسل ابن جارك، وسل حفظة كتاب الله ما هي أنعم جمعية مروا بها في الحياة؟ إنها الجمعية الخيرية لتحفيظ كتاب الله، لكنها تحتاج إلى الدعم والتبرع والإنفاق.
ووالله! لقد عجبت وعجب كثير من الإخوة ونحن نطلع على مقالة لمغني مطرب، وهو يخبر بما أتاه من دعم وتبرع في ليلة واحدة، وقدرناه بالملايين، فقلنا: ماذا أعاد علينا هذا الفنان وهذا المطرب؟! ماذا أنتج لنا وقدم لأمتنا وماذا أسدى لنا؟! ثم ننظر بالمقابل وإذا الجمعية الخيرة تقف على أقدامها في الأرض، إنها تحمل تكاليف هائلة؛ لتدريس شباب المسلمين وأطفالهم، وهي تحتاج إلى دور ضخمة، وإلى مدارس، وناقلات، ورواتب أساتذة وجوائز.
وهذا اليوم يوم مشهود؛ يطلع الله على ما تقدمونه -بعد الصلاة- لرواد الجمعية الخيرية، الذين حضروا طالبين لا لأنفسهم ولكن لأولياء الله، ولكتاب الله، ولحفظة كتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
ويظهر لنا هذا مدى عظمة الإسلام حيث يربط بين الصيام والإنفاق، وأعظم ما تنفقه أنت لكتاب الله، أما هؤلاء الذين ينفقون الملايين في الضياع، والألوف المؤلفة في الخسار فاسمع ما يقول سبحانه فيهم: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36].
هل سمعت أن الأمة انتصرت بفنان؟ أو رفع رأسها مطرب؟ أو بيض وجهها موسيقار أو ممثل؟ لا.
لكن بحامل كتاب الله عز وجل رُفع رأسها.
فيا مسلمون يا بررة! كل الأمة تتحرى منكم ما تقدمونه هذا اليوم، فابذلوا سخياً سخياً، بل على القول الصحيح من أقوال أهل العلم: أنها من مصارف الزكاة، فمن عنده زكاة أو من أراد أن يساهم مساهمة عند الواحد الأحد الذي لا تضيع الودائع عنده: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] من أراد ذلك فليساهم وليعتق رقبته وليرفع ميزانه هذا اليوم، أنت صائم في يوم الجمعة وأنت متصدق، وأين تذهب صدقتك؟ إلى حملة كتاب الله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261].
واعلموا أن أجدادكم كـ عثمان وابن عوف هم الذين فتحوا أبواب الجنة بأعمالهم، وصل إلى ابن عوف سبعمائة جمل ودخلت المدينة في حرارة الشمس، محملة بالتمر والزبيب والبر، فقال تجار المدينة: يـ ابن عوف! نشتريها منك، قال: بكم؟ قالوا: نعطيك في الدرهم درهماً -أي: الثمن مضاعف- قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك في الدرهم درهمين، قال: وجدت من زادني.
قالوا: لا.
نحن تجار المدينة وما زادك أحد علينا، قال: وجدت من زادني في الدرهم عشرة أضعافه إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة؛ أشهدكم أنها بأحلاسها وجمالها وأقتابها وبرها وزبيبها وتمرها في سبيل الله، فتولى الفقراء والمساكين وهم يقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: {من يجهز جيش تبوك وله الجنة، فقام عثمان فجهزه؛ فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم}.
ولعلكم ترون بإذن الله عز وجل في سيرة أسلافكم الذين ما كان أحدهم يجد ما يسد جوعه؛ من الإنفاق والبذل والعطاء ما يدفعكم أنتم أكثر وأكثر مع كثرة الأموال لدعم هذا المشروع الخيري، وقد شاهدتُ في بعض المناطق كـ الوسطى والقصيم، دعماً هائلاً للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن، فمن متصدق بعمارة، ومن متصدق بسيارة، ومن متصدق بألوف مؤلفة، وما أظن أن الناس يفوقوننا حماساً وغيرة وحباً لكتاب الله، هذه مسألة علَّ الله عز وجل أن يفتح صدوركم لها، وليس بغريب عليكم؛ فأنتم أبناء الذين قدموا أرواحهم في سبيل الله.
أرواحنا يارب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
أسأل الله أن يتقبل منكم ما فعلتم: {الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} كما قال صلى الله عليه وسلم، واليوم -بعد الصلاة- تطفئون خطاياكم وسيئاتكم، وتطفئون غضب ربكم؛ بما تنفقون ثم يحفظ لكم في: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عارية والعمر رحال
المال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجر يعذبْ منه سلسال
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.