الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس إلى الله أجمعين؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرق الناس، وأعفهم، وأوصلهم، وأحلمهم؛ ولذلك ذكر الله خُلُقَه ومجد أنفاسه، وذكر مناقبه في القرآن، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].
فقد بلغ في صلة الرحم مبلغاً عظيماً، ضرب به المثل على مرِّ التاريخ، فما سمعت الدنيا بأوصل منه صلى الله عليه وسلم، قام قرابته -أبناء عمه وأقاربه- فأخرجوه من مكة، وطاردوه وشتموه وسبوه وآذوه، حاربوه في المعارك، ونازلوه في الميدان، وقاموا بحرب عسكرية وإعلامية واقتصادية ضده، فلما انتصر ماذا فعل؟
دخل مكة منتصراً، ووقفت له الأعلام مكبرة، وطنت بذكر نصره الجبال والوهاد، فلما انتصر، وقف عند حلق باب الكعبة صلى الله عليه وسلم منحنياً، وهو يقول للقرابة وللعمومة: {ما ترون أني فاعل بكم؟ فيتصورون الجزاء المر والقتل الحار والموت الأحمر، فيقولون وهم يتباكون: أخ كريم وابن أخ كريم، فتدمع عيناه، ويقول: اذهبوا فأنتم الطلقاء!} كأنه يقول: عفا الله عنكم وسامحكم الله.