الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
عنوان هذه المحاضرة هو: " الإسلام والتحديات المعاصرة"
أيها الإخوة: إن الإسلام مصارَع ومحارَب منذ أن وُجد على الأرض، ومن سنن الله الكونية أن يحارب ويصارع؛ لأنه عظيم يقول الله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] ويقول سبحانه: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] ولأن هذا الدين بعظمته لا بد له من أعداء ولا بد أن يفهم الدعاة وطلبة العلم والعلماء والمتوجهون إلى الله مسألة خطيرة، تتكون من شقين:
الأمر الأول: أنه لا يمكن أن نبقى بلا قراءة، وقضية أن تُسلَّم لنا الساحة ونظفر بها بلا قتال ولا مجاهدة فليس بصحيح، ولو سُلِّمت لأحد من الناس لسُلِّمت لمحمد عليه الصلاة والسلام إذاً لا بد من دموع، ولا بد من تضحية، ولا بد من قتال وشهداء، ولا بد من تشويه لمعالم الحق، واتهامات مغرِضة، وتعليقات مرة، فهو أمر طبيعي، بل هو قضاء وقدر.
الأمر الثاني: إذا قلنا: إن الإسلام محارَب؛ فلا يعني هذا أن يجلس الدعاة؛ لأن بعض الدعاة أصابهم قنوط ويأس، يقولون: كفر العالَم، وألحد الناس، واجتاحنا الكافر، وتحوَّلت الديانات إلى كفر، فالله المستعان! ثم تلفف ببردته، وجلس في بيته يصلي الضحى وقيام الليل ويبكي أحسن في جانب، ولكنه والله انهزم في الجانب الآخر، وفشل في الساحة، والله لا يريد هذا الانهزام، ولا يريد من المسلم أن يفشل.
الإسلام والتحديات المعاصرة التي نعيشها يمكن أن تُجمل في ثمان مسائل:
المسألة الأولى: الإلحاد.
وهو أكبر ضربة تُوجَّه ضد شبابنا ونَشْئنا وجيلنا وقلوبنا وبيوتنا الإلحاد ومركبه الأدب، وقد ركب قبل أربعين سنة أو أقل منها على مركب الاقتصاد، وعندي وثائق وحقائق وبراهين عن ناشئة ذكرتُهم البارحة رضعوا ثدي الإلحاد في بلادنا، واستنشقوا هواءنا وشربوا ماءنا، وسوف نسمع ماذا قالوا يوم غُزوا بالإلحاد، ويوم تحدانا بهم الكافر ليحاربنا بأقلام مِنَّا.
المسألة الثانية: الشهوات.
المسألة الثالثة: زرع الخلاف في الصفوف بتهييج مواطن النزاع وتضخيم مواطن البَوْن بين المسلمين على غير طائل إلا نتيجة الفُرقة والتشتت والتمزق.
المسألة الرابعة: وصم الدين بالتطرف.
وقد أسست ذلك هيئة الإذاعة البريطانية وبثَّته على العالم، ووكالاتُ أنباءٍ متطرفة، وليس المسلمون هم المتطرفون.
المسألة الخامسة: المؤامرة على المرأة.
فإننا كلما طُعِنا أتت الطعنة الكبيرة من جانب المرأة.
المسألة السادسة: تعليل تخلف المسلمين بتمسكهم بالدين.
وكأننا لم نصنع سيارة ولا صاروخاً إلا لأننا ربينا لحانا وقصَّرنا ثيابنا، وكأن الإنسان إذا حلق لحيته وطوَّل ثوبه وتفرنج وأصبح خواجة سوف يستطيع أن يصنع طائرة وصاروخاً، وكأن هذا المسلم بليد وغبي، والسبب عندهم -وهؤلاء دعاة الوثنية الإلحادية في ساحتنا- السبب هو أن المسلم متمسك بدينه.
قال الناظم:
منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة
مر أحد هؤلاء الضائعين الذين لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ليس بمسلم ولا خواجة، ما صنع طائرة ولا صاروخاً ولا ثلاجة ولا برادة، وما جلس معنا يصلي ويقرأ القرآن مرَّ بشيخ في مكان من الأمكنة، والشيخ يقرأ على التلاميذ ويشرح لهم الروض المربع في الفقه، فقال هذا المتطور: يا شيخ! الناس صعدوا على سطح القمر، وأنت لا تزال في الروض المربع؟! فقال الشيخ: أما أنت فلا صعدت على سطح القمر ولا جلست معنا تقرأ الروض المربع لكنك ضائع، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فنقول: ليتهم عندما ضاعوا فعلوا مثل فعل الكافر؛ لكنهم تبجَّحوا وجعلوا يحاربوننا ويحاربون هذا التوجه العظيم الذي أعاد الله به للأمة روحها وكيانها، وسوف تكون نتائجة محمودة -بإذن الله- بمثل هذه المؤتمرات، واللقاءات والدروس، وتبادل وجهات النظر وتناسي الخلاف إلا فيما يمكن أن يكون فيه تنبيه أو رد.
المسألة السابعة: هدم الاستعلاء في نفوس المسلمين.
وكما تفضل الشيخ/ سلمان البارحة في قوله: أصبحت كلمة (كافر) صعبة إذا أتيت إلى أمريكا -وهو مجتمع كافر- فلا تقل: كافر، بل قل: أمريكي قل: مجتمع غربي، حضارة غربية ولذلك بعض الكتبة والمفكرين من المسلمين يستخدم هذه العبارات، ويقول: بلا قسوة، ويستدل بقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] وكلَّما قلنا له شيئاً قال: القوم هناك مسلمون بلا إسلام، وعندنا إسلام بلا مسلمين! هذا الرجل وأمثاله عندهم عدم استعلاء، وانهزامية داخلية في نفوسهم، وليتهم أبقوا هذه الكلمات اللطيفة مع شباب الإسلام، لكن كلما تعرض بعضُهم للشباب بمناسبة أو بغير مناسبة قال: كث اللحية، متطرف، لا يعرف إلا البسملة وتحريك الأصبع في التشهد، ويتكلم عن الكالونيا وتقصير الثياب! وكلما عرضت له مصيبة قال: هم المتزمتون والمتطرفون!! فليتك يا أخي وجهت ربع هذا للكافر، وصافيت إخوانك، ووجَّهت هذا الجيل ونزلت إلى الشباب المسلم.
المسألة الثامنة: الإعجاب بحضارة الكفار:
وقد رأينا أن الخواجة والكافر والملحد إذا وصل إلى بلد نظر إليه المسلم وكأنه نزل من الجنة، حتى أنهم يهزون أكتافهم ويقولون: حسناً حسناً، ( Thank You) أنا لا أعرف الإنجليزي، لكنهم يقولون هذا الكلام، وقد رأيت بعضهم يقدمه على المسلمين السُّجَّد الذين يصلون الصلوات الخمس إنه انهزام داخلي، بمعنى أن هذا صاحب حضارة، وقد صنع لنا وقدم لنا وأسس، أما نحن فبَدْوٌ أوباش، وليس عندنا إلا رجعية وتخلُّف!.