بماذا نلقى الله يوم القيامة، ونحن -والله- قد أسأنا الأدب مع الله كل الإساءة، هل داومنا على الصلوات الخمس في المسجد؟
هل دعونا جيراننا إلى المساجد صباح مساء؟
هل والينا في الله وأبغضنا في الله؟
هل أخذنا على يد الفاجر السفيه الذي يريد أن يردينا في النار؟
ثم إننا نرى الباطل ونؤيد عليه إلا من رحم الله، وأنا أتكلم بهذا لأننا قبائل نعرف المآسي التي يعيشها كثير من القبائل، يرون الباطل ولا يقومون في وجهه، ويرون حدود الله ومحارمه تنتهك ولا يغضبون، ثم ندعو الله أن ينزل علينا القطر، ونقول: نحن نحب الله، ما هي أعمالنا؟
السفيه يؤيد، والفاجر يسدد؛ لا يجد صاحب الحق من يعضده ويقوم معه.
يقول سبحانه وتعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] إي والله لبئس ما كانوا يفعلون، يرون الفاجر ويسكتون، والمعصية ولا يتكلمون، ولا تتمعر وجوههم، أحدهم لو أُخذ شيء من ماله، أو تكُلِّم على ولده، أو على عرضه، أو سب قامت الدنيا وقعدت، وأخذ السلاح وقاتل، لكن أن تنتهك حدود الله فلا يغضب أحد، المساجد تهجر، الأغاني الماجنة تنتشر، الحجاب يترك، والسفور يوضع ويوقع، والمرأة لا تتقي الله عز وجل في البيوت إلا من رحم الله.
سبحان الله! الربا يتعامل به، الرشوة موجودة، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الغيبة في المجالس، الاستهزاء والاستهتار بالصالحين، ونقول: الله يرحمنا، ونحن على خير إذا اتقينا الله عز وجل.
الله سبحانه وتعالى أرسل جبريل عليه السلام قال: إن أهل تلك القرية عصوني، وتمردوا على حدودي، وأكلوا نعمي، واجترءوا على حرماتي فخذهم، وجبريل له ستمائة جناح، الجناح الواحد يكفي لنقل قرى الجنوب كلها نقلة واحدة، قرى قوم لوط -الأربع كان عددهم ستمائة ألف كما يقول المؤرخون- أرسل الله إليهم جبريل قال: خذهم، فقد عمت فيهم الفاحشة، كانوا يفعلون كل منكر في ناديهم، وعندهم الفجور واللواط والزنا والفحش، والمحارشة والمحاسدة الأيمان والغموس، والتبجح وظلم الناس، والفجور والكذب، فلا تجد أحداً يقول: اتقوا الله، فغضب الله، والله يمهل لكنه إذا غضبت فإنه لا يفلت أحداً كما قيل: إن الله يقول في الحديث القدسي: {إني إذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية، وإذا غضب لعنت وإن لعنتي تبلغ السابع من الولد} نعوذ بالله من لعنة الله، ونعوذ بالله من غضب الله، ونعوذ بالله من قلوب لا تتقي الله، فأرسل جبريل وقال: خذهم -وعند جبريل كما في الصحيح ستمائة جناح- فما استعمل إلا جناحاً واحداً، اقتلع القرى من جذورها بجبالها وأوديتها وأشجارها وأنهارها حتى رفعهم إلى قرب السماء الدنيا، فسمعت ملائكة السماء -كما في الحديث- نباح كلابهم وصياح ديكتهم، ثم لطمهم بالأرض، وما كفى، بل أرسل الله عليهم حجارة من طين كما قال سبحانه: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:34] كل حجر عليه اسم مجرم تأتي وتقع في رأسه وتخرج من دبره.
الله عز وجل غضب على قرية من القرى ما أمرت بالمعروف ولا تناصحت فقال لجبريل: خذهم، فنزل جبريل عليه السلام فمر فوجد مصلياً صائماً يصلي في صومعته، فعاد إلى الله قال: يا رب! هناك عبد يصلي ويذكرك ويسبحك ويدعوك، قال: يا جبريل! به فابدأ قال: يا رب! ولم؟ قال: إنه يرى المنكر ولم يتمعر وجهه غضباً لي.
الله عز وجل يغضب من العبد لأنه لا يغضب لمحارمه، نغضب لمحارمنا ولا نغضب لمحارم الله! نغضب لأنفسنا ولا نغضب لله! أي قلوب هذه التي نملكها! فلما فعل بنو إسرائيل ذلك عمهم الله بالعذاب، وقست قلوبهم {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13].