عمر يسأل الله الشهادة فينالها

عمر رضي الله عنه وأرضاه، لما علم الله أنه صادق، وأنه يريد الله والدار الآخرة فاستجاب له دعاءه في آخر حجة حجها، لما وقف عند الجمرات الثلاث ورفع يديه، وقال: [[اللهم إنه انتشرت رعيتي، ورق عظمي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك، قال له الصحابة: يا أمير المؤمنين! تريد الموت في سبيل الله في بلد رسول الله؟ -يعني: إن من يريد الشهادة يخرج إلى الثغور- قال: هكذا سألت الله، وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت]].

فخرج وعاد إلى المدينة، وفي أول ليلة نامها رأى رؤيا في المنام، رأى أن ديكاً ينقره ثلاث نقرات، فسأل بعض الصحابة ما تأويل الرؤيا، قالت له أسماء بنت عميس إحدى الصحابيات المؤمنات، وكانت تفسر الأحلام وتعبر الرؤيا: يا أمير المؤمنين! أستودعك الله في نفسك الذي لا تضيع ودائعه.

كان يصلي بالناس إماماً فلما بلغ قوله سبحانه وتعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] انهد باكياً وبكى الناس معه، ولما ركع تقدم له أبو لؤلؤة المجوسي.

مولى المغيرة لا جادتك غادية من رحمة الله ما جادت غواديها

تقدم بخنجر ذو حدين مسموم، سمه شهراً حتى أصبح الخنجر أزرق من كثرة السم، ثم ضرب عمر أمير المؤمنين، حصن الإسلام، العادل الكبير، الزاهد النحرير، الذي ما عرف إلا قيام الليل والوقوف مع المسكين والفقير والأرملة، ضربه ثلاث طعنات ليهدم ركن الإسلام، فسقط عمر رضي الله عنه وأرضاه، ووقع على وجهه على الأرض وهو يقول: [[حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم]] ثم التفت وقدم أحد المسلمين، فلما صلوا وقد أغمي عليه وأغشي من كثرة الدم قال: من قتلني؟ قالوا: أبو لؤلؤة قال: [[الحمد لله الذي جعل شهادتي على يد رجل ما سجد لله سجدة]] ثم رفعوه على أكتافهم.

يقول أنس: [[ظننا أن القيامة قامت يوم أن مات عمر]] ويقول علي: [[والله الذي لا إله إلا هو، لقد كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر]] ووضعوه في البيت، فلما أرادوا أن يضعوا رأسه وهو مطعون، يعالج السكرات، وضعوا له مخدة -وسادة- تحت رأسه، قال: انزعوها من تحت رأسي، ضعوا رأسي على التراب علَّ الله أن يرحمني، فأخذ يمرغ وجهه في التراب ويبكي، فدخل عليه علي رضي الله عنه وأرضاه فقال: [[يا أمير المؤمنين! طوبى لك وهنيئاً لك، والله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك]] فقال عمر: [[يا ليتني نجوت كفافاً، لا لي ولا عليّ]] يقول: يا ليتني أخرج من الحساب يوم القيامة لا حسنات ولا سيئات سبحان الله! وهم المجاهدون الصادقون الزهاد العباد فماذا فعلنا نحن؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015