أيها الإخوة! إن في أولئك حباً لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، أنا أعرف أنه ليس كحبكم لأن حبكم موار، ومن حبكم:
أنكم تصلون الصلوات الخمس، وأنكم تسمعون كلام مثلي إلى صلاة العشاء، وتفرحون بالحكمة والموعظة الحسنة، وبعضكم يأتي بأهله.
وبعضكم يحمل الشريط، فيوزعه على المسلمين.
والآخر يدعو، والآخر يقوم الليل، هذا حب فوار موار.
والرابع: يقوم ويناجي ربه في السحر.
والخامس: يتلو كتاب الله ويبكي، هذا هو الحب المتفوق.
هم عندهم حب، ولكن ليس مثل حبكم؛ حبهم يبرز في المصادمات، تجد الواحد في يده سيجارة وفي اليد الأخرى مجلة خليعة، تجده لاهياً لاعباً، وتجد عنده العود والموسيقى والناي والوتر، ولكنك لو تنال من محمد عليه الصلاة والسلام عنده، لقدم رأسه رخيصاً ليقاتلك ويذابحك، وتجد الواحد منهم عنده حب؛ ولذلك لو قلت له: يا كافر لا يصبر، بعضهم يترك الصلاة، ومن ترك الصلاة في الإسلام فقد كفر، لكنك لو قلت له: يا كافر! لقاتلك وما صبر على ذلك لأنه لا يتفاهم، قل له كل شيء إلا كافر، لأن الكفر عنده أعظم شيء:
فأثبت في مستنقع الهول رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشرُ
وقد كان فوت الموت صعباً فرده إليه الحفاظ المر والخلق الوعرُ
ونفس تعاف الذل حتى كأنه هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفرُ
لا يرضى أحد منهم أن تقول: يا فاسق، ولا يا كافر، ولا يرضى أحد منهم أن تأخذ المصحف وتمزقه بينهم، هم أكبر درجات من شباب البعث قاتلهم الله، الذين أخذوا المصحف مع أحمد حسن البكر ومزقوه في شوارع بغداد، وداسوه بالجزمات، عندنا خير من هؤلاء الشباب، عندنا طلائع إيمانية، عندنا كنوز، لكنها تحتاج إلى من يأتي إليها ويبعد الغبار عنها، ويمسح عنها ذلكم الصدأ، لتعود نقية طاهرة طيبة قوية بإذن الله، وأنتم أهل المهمة، اذهبوا إليهم وجربوا.
حدثني أحد الأخيار، وأظنه معنا في هذا المجلس، وهو من أهل الفضل، ولكن لا أذكر اسمه فالله يعرفه، ولا يغيب عن الله هو وأمثاله، قتل بعض الصحابة في قندهار، تبعد أكثر من ألف ميل عن المدينة [[فأتى عمر، فقال للصحابة: من قتل في قندهار؟ قالوا: فلان وفلان وفلان، وأناس لا نعرفهم، فانسكبت دموع عمر على لحيته، وقال: لكن الله يعرفهم]].
هذا الأخ الكريم يذهب مع مجموعات في العطلة الصيفية الماضية، وكان يجلس في حلقة وهم حلقات، والعود مع أكبرهم الذي علمهم الطرب، يجلس في وسط حلقة الذكر، على مذهبهم فيجلس مجموعة من هنا، ومجموعة من هنا، وعندهم أدب في استماع الغناء، كأن على رءوسهم الطير، يجلسون في جلسة حتى كأن الجلسة في الصلاة، وهذا يجلس في الوسط، والثاني يسكب الشاي ولا يقاطعه أحد، حتى لا يقطع عليه الدورة، فيعزف بالناي، ثم يتحرك بالصوت فيما بعد، ثم يبدأ التصفيق، فيأتون يعمدون إلى الكبير هذا فينزعج، ولكنهم يحيونه ويهدءونه لأنه رأس الحية، فيسكتونه ثم يبدءون معه في حوار وفي أخذ وعطاء، فيبدأ أولاً بوضع العود على التراب، وهذه خطوة جيدة، إنها تنازل معك، الثاني يبدأ ويلتفت، ويسألهم من أين أتيتم؟
الثالث: يأخذون معه في الحديث ثم يسألون المجموعة، ثم تبدأ الموعظة، ولا تسأل كم من الاستجابة! ثم يهدون لهم الشريط الإسلامي، من دعا منكم شخصاً فجابهه أو ضربه أو شتمه؟!
هذا نادر! أنا لا أظن أنه يأتي في الألف واحد، الذي يقول لك: إن هؤلاء العصاة يجابهون.
لا يجابهون إلا أحد شخصين، إما جاهل لا يعرف عرض الدعوة، وإما رجل قاسٍ فظ غليظ يتحكم عليهم في الصوت، وهذا لا يرضاه أحد، أنا لو أتاني أحد ونهرني بعنف لا أقبله.
إذاً يا أيها الإخوة! حُبُّ الله وحب الرسول عليه الصلاة والسلام في قلوبهم ثابت، فاستغلوا هذه الفرصة واعلموا أن المرء يحشر مع من أحب، وأن بيننا وبينهم خيط الود.