من أخطائنا -نحن مسيرة الصحوة- قلة الإنصاف.
وسوف أعرض سؤالاً في الأخير: لماذا لا أقصد في حديثي هذا غير الملتزمين أو المستقيمين أو الناهجين نهج الحق؟
إن العدل نفقده كثيراً في أحكامنا، وفي أقوالنا، وفي لقاءاتنا، يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} [النساء:135] ويقول عز اسمه: {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8].
والمعنى قولوا العدل واحكموا به، ولا يحملنكم شنآن الآخرين وعداوتهم، على أن تجحفوا في الحكم، فإذا كان الحكم لك، فلا تثنِ على نفسك، وإذا كان الحكم على عدوك، فلا تثرب على عدوك أو تنسى حسناته.
والله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل:90]
والعدل يكون في الأحكام، والصدق يكون في الأخبار كما قال ابن كثير في قوله سبحانه وتعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:115] قال: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام.
وقال سبحانه: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:135] فاتباع الهوى يحملنا على أن نجور، فترانا نضخم الحسنات إذا كانت لنا، ونصغر الحسنات إذا كانت لغيرنا، ونصغر سيئاتنا، ونكبر سيئات غيرنا.
وقال سبحانه وتعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام: {وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ} [الشورى:15] فهو عادل عليه الصلاة والسلام في أحكامه، بل قال صلى الله عليه وسلم كما في سنن النسائي: {وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا} فلا يقول صلى الله عليه وسلم إلا كلمة الحق؛ مع عدوه ومع صديقه، وهذا منهج افتقدناه على مستوى الجماعات والأفراد.
وسوف أعرض أمثلة من سيرته عليه الصلاة والسلام، لنرى العدل في قوله وأحكامه.
في الصحيح أنه {أتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بشارب خمر، فقام الصحابة فضربوه وعزروه، وقال أحدهم: أخزاه الله! ما أكثر ما يؤتى به في شرب الخمر! فقال صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك، لا تعينوا الشيطان على أخيكم، فو الذي نفسي بيده! ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} فاحتسب له صلى الله عليه وسلم حسنة حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام.
أيضاً حاطب بن أبي بلتعة في الصحيحين سرب أخبار السرية للكفار، وهي جريمة كبرى، فلما أُتي به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ليحاكمه، قال عمر: {يا رسول الله! دعني لأضرب عنق هذا فقد نافق، قال: يا عمر! وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} فاحتسب له عليه الصلاة والسلام حسناته التي قدمها في بدر، ولم ينسها صلى الله عليه وسلم.
وكان أهل السنة والجماعة منصفين، يحكمون بالعدل ويقولون به، ومن قرأ تراجمهم وجد ذلك.
وأوضح مثال على ذلك ما يفعله شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي وابن كثير، والبرزالي والمزي، وغيرهم كثير، حينما يتكلمون عن الأشخاص، وقد تكلم الذهبي عن قتادة بن دعامة السدوسي، الذكي العملاق، الذي أصيب ببدعة جزئية يسيرة في القدر، فذكر بدعته، وقال: لا نقره على بدعته، مع العلم أنه رأس في الزهد ورأس في التفسير، ورأس في العلم، فما أحسن الإنصاف! وما أحسن أن نذكر الحسنة بجانب السيئة!
ذكر البخاري في كتاب الأدب المفرد، والألباني يرفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، والظاهر أنه من كلام علي لا من كلام محمد صلى الله عليه وسلم يقول: [[أحبب حبيبك هوناً ما، فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما]] إن العاطفة في حب الناس، أو في الحكم على الناس، توقفنا أمام طرفين غير مقبولين، إما المدح المفرط، أو الذم المفرط، وكلا الطريقين خطأ.
فعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا