الحمار نوعان: فنان وحشي، وحمار أهلي، والفنان: هو الحمار الوحشي المخطط، ولذلك أصاب الفنانون يوم سموا الفنان فناناً يعني: حماراً وحشياً لأنه مخطط.
فالفنان عند العرب هو الحمار المخطط، فالفنان يؤكل والحمد لله، لكن الفنان من الإنس هذا الذي يغني لا يؤكل؛ لأنه لم يرد دليل على إباحة أكله، وأنا أتحدث عن الفنان من الحمير الوحشية، إذا علم ذلك فالدليل على أكل الحمار الفنان الوحشي حديثان:
حديث أبي قتادة عند البخاري ومسلم قال: {صدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأنا حلال- حماراً وحشياً فأتيت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بوركه -أو قال بشقه- فأكل منه صلى الله عليه وسلم وهو محرم} وهو ما صيد لأجله صلى الله عليه وسلم إنما صاده أبو قتادة لنفسه ثم أعطى الرسول عليه الصلاة والسلام هدية.
وفي الصحيح أيضاً من حديث الصعب بن جثامة قال: {أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً فرده عليَّ، فلما رأى ما في وجهي -تغير لما رد هديته- قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرم} انظر إلى فصاحته وخلقه وسموه عليه الصلاة والسلام، هذا الصعب بن جثامة شيخ وادي ودان بين مكة والمدينة، سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقبل يريد الحج بالمسلمين فصاد حماراً وحشياً -وهو أجمل اللحوم عند العرب- ثم طبخ وركه أو شقه وأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم فمنع صلى الله عليه وسلم أن يأخذ، فلما رأى تغير وجه هذا الرجل العظيم، قال: {إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم}.
فلماذا أخذ صيد أبي قتادة ورد صيد الصعب بن جثامة؟
لأن صيد أبي قتادة ما صيد من أجله عليه الصلاة والسلام، والمحرم إذا لم يُصد من أجله فليأكل، وأما الصعب بن جثامة فصاده من أجل الرسول عليه الصلاة والسلام، والمحرم إذا صيد له الصيد فلا يأكل والحمد لله.
والحطيئة له قصيدة جميلة يصف فيها قصة تصورها وهي لم تقع، ولكن هي من أحسن القصائد عند الجاهليين في رسم المسرحية الخيالية في الشعر العربي، وصف رجلاً عربياً كان فقيراً منحلاً ليس عنده شيء، فوفد عليه الضيف، والعربي إذا وفد الضيف ترك كل شيء من أجل الضيف، فقام يلتمس فما وجد إبلاً ولا بقراً ولا غنماً ولا وجد صيداً ولا وجد أكلاً في البيت، فأخذ السكين وأراد أن يذبح ابنه، وقال صاحب البيت كما في القصيدة:
فقال هيا رباه ضيف ولا قرى بحقك لا تحرمه تي الليلة اللحما
فأتى يجر بها إلى ضيفه، وأجمل الصيد عند العرب الحمر الوحشية.
ومما يحكىأن الكسعي وهو رجل من العرب، كان من أرمى الرماة في العرب، أتى بشجرة فأخذها من مغرسها في السهل وغرسها في الجبل، من أجل أن تأتي الأسهم والأقواس قوية كالحديد؛ لأن شجرة الجبل ليست كشجرة الطين، فأخذ يتعاهد هذه الشجرة حتى اشتد صلبها وقوي عودها، فقطعها بعدما كبرت، وصنع منها قوساً من أقوى الأقواس، وركب أسهماً فيها، وبعدما ركب الأسهم مرت به الظباء وقيل: الحمر الوحشية، فأخذ يطلق عليها الأسهم، فكان من قوة القوس ومن قوة السهام يخترقها من جنبها إلى جنبها، ويخرج فتبقى ترعى فيظن أنه أخطأ وهي ما تموت إلا بعد فترة، فرمى سبعاً بسبعة أسهم وما رآها سقطت، رآها ترعى وتشرب الماء، فأخذ به الغضب أن كسر القوس وهو جهد عشرين سنة أو ثلاثين سنة، وكسر الأسهم، وبعد أن كسر نظر وإذا الحمر الوحشية قد سقطت ميتة على الأرض، فأخذ يلوك أصابعه ندماً، فقالت العرب: أشد ندامة من الكسعي.
قال ابن الجوزي: من لم يحفظ القرآن في الصغر ندم ندامة الكسعي.
وقال الفرزدق لما طلق امرأته نوار:
ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقة نوار
المقصود: أن الحمر الوحشية حلال أكلها، أما الحمر الأهلية الأليفة فحرام أكلها، وتوقف بعض الفقهاء لعدم وصول النهي إليه، وبعض الناس الآن يقول: سبحان الله! يتوقفون في حل الحمار؟! نعم لأنها شريعة قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:4 - 6] وقال: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء:192 - 194] وقال: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116] فتحريم الحلال كتحليل الحرام، لا تقل للناس: حرام وحلال وأنت لا تدري، لأنه كذب على الله، لا بد لك من دليل من الكتاب أو السنة على ما تقول.
فأما الحمر الأهلية فصح النهي عنها لقول أنس: {أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة يوم خيبر أن ينادي بالناس: إن الله حرم عليكم لحوم الحمر الأهلية} أو كما صح عنه صلى الله عليه وسلم.
وهناك حديث جابر أيضاً: {نهى صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل} فالخيل سوف تأتي أنه أذن فيها وقد ورد في ذلك حديث جابر في السنن وهو حديث حسن.