الرسول عليه الصلاة والسلام فصل لنا بعض الحيوانات التي لا تؤكل وأنا أذكرها بأدلتها إن شاء الله، ثم نعود فندخلها في القواعد التي سلف أن ذكرناها.
يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري ومسلم من حديث عائشة: {خمس من فواسق يقتلن في الحل والحرم: الفأرة، والحدأة، والعقرب، والغراب، والكلب العقور}.
هذه خمس فواسق أمرنا صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل والحرم، في الحِلِّ: وأنت حلال.
وفي الحرم: وأنت محرم بحج أو عمرة لا تتجافى ولا تتجانف عنها واقتلها، وقتلها عند كثير من أهل العلم يدل على تحريم أكلها فليفهم هذا، إذاً لا يقول قائل: كيف تحدثنا عن الفأرة ومن يأكل الفأرة؟ وعن العقرب ومن يأكل العقرب؟ إن هذه شريعة، ولا بد أن تفهم بأدلة، وإلا لو كانت إلى أفكار الناس وآرائهم؛ لتخرص المتخرصون في الشريعة.
فلا بد أن نفهم لماذا حُرم العقرب، وحرم أكلها؟ وكذلك الفأرة، والحدأة، والغراب، والكلب العقور بأدلة.
حرمت لحديث عائشة في الصحيحين: {خمس فواسق يقتلن في الحِلَّ والحرم: الحدأة، والعقرب، والغراب، والفأر، والكلب العقور} هذه الخمس الفواسق محرمة.
ومن المحرمات أيضاً الحيوانات التي لا تقتل ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتلها دليل على تحريم أكلها.
وهنا قاعدة: أن ما أمركم صلى الله عليه وسلم بقتله فأكله محرم وما نهى عن قتله فأكله محرم.
أما الأربع التي لا تقتل فهي: {النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد} والحديث عند أبي داود وهو يقبل التحسين.
والهدهد والنمل والنحل معروف فلا يؤكل والحمد لله، وقد بحث فيها أهل العلم منهم صاحب المجموع.
والصرد: طائر أبقع، وقيل: أبيض، دائماً يعيش على ظهر الماء، فتراه على سطح البحر، فهذا الصرد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتله.
غراب وظبي أعضب القرن منذر ببينٍ وصردان العشي تصيح
والعرب كانت تتشاءم بهذه الأنواع.
يقول: هذا فارق أحبابه فبكى، وقال بليل شؤمه مفارقته لأصحابه: إن الغراب ناح اليوم، وأنه مر ظبي أعضب القرن يعني: مقطوع القرن، وهذا التشاؤم الذي نهى عنه عليه الصلاة والسلام، وأخبر أن من صفة السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب أنهم لا يتطيرون، وكان العرب في جاهليتهم ووثنيتهم وتخلفهم وفكرهم العفن قبل الإسلام، إذا أراد أحدهم أن يسافر نظر إلى الطير، فإن أخذ الطير من الميسرة إلى الميمنة سافر، وإن كان ذهب من الميمنة إلى الميسرة ترك السفر، ولذلك يقول النابغة الذبياني يوم يمدح النعمان:
زعم البوارح أن رحلتنا غداً وبذاك خبرنا الغراب الأسود
والبارح عند العرب من يأتي من اليمين إلى اليسار ويسافر، والسانح من يأتي من اليسار إلى اليمين فلا يسافر له؛ وهذه عقيدة شركية من فعلها فقد أبطل حظه ونصيبه من الله الواحد الأحد، فلا يجلب الضر والنفع إلا الله سبحانه وتعالى:
لعمرك لا تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع
فهذا التطير شرك، ونهى عنه عليه الصلاة والسلام، وإنما ذكرته للفائدة.
فالأربع هذه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها، قالوا: فلما نهى عن قتلها دلَّ على تحريم أكلها فليعلم، لأنني أسلفت أن ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله فأكله حرام، وما نهى عن قتله فأكله حرام.