إنك قد تجد كثيراً من الإخوة لا يعلم ما هي موهبته، وما هو المجال الذي يصلح فيه.
يدعو كثير من علماء النفس إلى أن تدرس نفسك، وتعرف ما هي نفسك هذه، وما هو الشيء الذي يمكن أن تصلح فيه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر في الحديث الصحيح: {كل ميسر لما خلق له} والله يقول: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:148] ويقول سبحانه وتعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60].
الله يريد منك أن تكون طبيباً مسلماً، أو مهندساً مسلماً، أو عالماً مسلماً، أو جندياً مسلماً، أنت لا تستطيع من نفسك أن تتحول إلى غير ما أراده الله، فالأحسن لك أن توجه هذه الطاقة التي منحك الله إياها وتكرسها، وتدرسها وتستفيد منها، وتنفع بها الإسلام.
أيها الإخوة: تجد بعض الإخوة يريد أن يكون خطيباً بالقوة، والله سبحانه وتعالى ما كتب له أن يكون خطيباً، كتب له مثلاً أن يكون آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، منفقاً في سبيل الله، إدارياً ناجحاً، موظفاً مخلصاً، تاجراً صادقاً، لكنه يريد أن يكون خطيباً، فمواهبه لا تهيئه للخطابة، ولم يدرس نفسه، فيحرج ويفقد معلوماته في هذا الباب، ويفقد استعداده ومكانته.
أيضاً: لا نريد من الطبيب أن يكون مفتياً، فالمفتون وأهل الفتيا كثير، لكننا نريد أن يكون داعية بطبه إلى الله الواحد الأحد، حاملاً رسالته، مؤثراً فيمن يأتيه ويتعالج عنده، ولا نريد من المهندس -أيضاً- أن يكون خطيباً أو واعظاً، فللوعظ أناس.
لكن الذي ينقصنا أن كثيراً منا لا يعرف ماذا يريد أن يقدم للناس، حتى يأتيك أحد الشباب ويقول: ما هو العمل الذي أصلح له؟
فأقول: اعرف بنفسك، لا يبلغ الشاب الثانية أو الواحدة والعشرين فما بعد إلا وهو يعرف استعداده، وبعد فترة يميز الإنسان طريقه، ويعرف توجهه، ويقولون: من أدمن على شيء من العمل الصالح أوتي حكمته، فيفتح الله على الناس في أمورهم وأشغالهم حِكَماً عظيمة.
وتجد بعض الناس يظن أن قضايا الإسلام هي قضيته، مثلاً: بعض الإخوة مشغول بعقود الأنكحة، أي: مهمته أن يعقد الأنكحة، فإذا جلس معك في المجلس يحدثك دائماً عن عقود الأنكحة ومشكلة العنوسة والمهور والزواج والشباب، ويقول: لو صلحت هذه المشكلة لصلح أمر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويظن أن هذه هي القضية.
خطيب المسجد يحدثك عن دور الخطبة، ويقول: لو وجهنا هذه الخطبة؛ لأصلح الله المليار مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، لكنا ما عرفنا كيف نوجه هذه الخطبة!
والمقصود أن على الشاب أن يقرأ ماذا يمكن أن ينفع به الإسلام، وأنا والله لا أعلم شاباً متزناً في عقله إلا وهو يستطيع أن يقدم شيئاً لدين محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يستطع الإنسان أن يكون داعية بنفسه فعلى الأقل أن يكون وسيلة إلى الدعوة إلى الله عز وجل، كأن يكون له اشتراك مع إخوانه وزملائه فيدفع الشريط الإسلامي، ويدخله بيوت الناس، والمدارس، والسيارات، {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} ويكون داعية في بيته، ويكون داعية في سلوكه وأخلاقه، ينفع المنكوبين، ويقف مع المصابين، ويفيد المساكين، فكل هذه من المشاركة.