عبادته وعلمه

كان الإمام أحمد يسهر الليل حتى الفجر، ويصوم النهار حتى الغروب، يقول ابنه عبد الله: "كان أبي يصلي من غير الفرائض في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة".

انظروا في تذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء للذهبي والبداية والنهاية لـ ابن كثير وتاريخ بغداد وتاريخ دمشق، ففيها روايات متواترة على أنه كان يصلي من غير الفرائض في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة.

وكان يسرد الصوم إلا في بعض الأيام، ووصل إلى صنعاء فوهبت له جوائز من السلطان ومن بعض الأغنياء، فرفضها، وقال: أعمل بيدي، فاشتغل في بعض الصناعات بيده حتى أعطاه الله بعض الأموال، ثم عاد إلى بغداد.

أما علمه رحمه الله فهو البحر وحدث عن البحر ولا حرج! {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] العلم ليس بالمؤسسات ولا بالشهادات ولا بالجامعات، العلم تقوى الله، العلم من الحي القيوم.

يقول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] وقال الله لإبراهيم: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} [الكهف:65] ويقول لداود وسليمان: {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [الأنبياء:79] ويقول لسليمان: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:79] فالفَهمُ والعلمُ والفقهُ والذكاءُ من الله.

فيا من اغتر بشهادته أو بمستواه أو بمنصبه، والله ما تغني عند الله جناح بعوضة، العلم أن تتعلم وتعمل وتعلم الناس، ليس إلا، سواءٌ كان عندك شهادة أو لم يكن عندك، سواءٌ تعلمت في مدرسة أو لم تتعلم {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282].

فعلم الله الإمام أحمد فحفظ ألف ألف حديث مع القرآن، مليون حديث يستحضرها كما يستحضر الفاتحة، حتى أنه كتب المسند من حفظه وهو أربعون ألف حديث.

أكبر مسند في الدنيا وفي المعمورة وعلى البسيطة هو بين أيدينا، لكن من يقرأ المسند؟ ومن يطالع المسند؟ ومن يتفقه في المسند؟

أأهل الصحف اليومية والخزعبلات، أم أهل الملاهي والملاغي إلا من رحم الله؟ لكن في الناس بقية، أصبح المسند مطبوعاً لنا طبعةً فاخرة، وأصبح معروضاً لنا عرضاً جيداً، وأصبح محققاً في الدواليب لكننا وضعناه ديكوراً وزينة، فيا أمة محمد من يقرأ مسند أحمد؟

إن من يقرأه يجد فيه التقوى والزهد والرفعة، والخوف من الله والخشية.

أفتى الإمام أحمد في ستين ألف مسألة بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ذم المنطق، وذم الرأي، وذم الفلسفة والجدل، وقال للناس: نحن قومٌ مساكين اجتمعنا لندرس حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015