معاشر المؤمنين: استعدوا لهذا الشهر، واجتهدوا واعزموا على العمل الصالح فيه، فإنه موسمٌ من مواسم الجنة، موسمٌ من مواسم التجارة الرابحة، يقول ابن قيم الجوزية: يا سلعة الرحمن -يريد الجنة-
يا سلعة الرحمن سوقكِ كاسدٌ فلقد عرضتِ بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان
يا سلعة الرحمن كيف تصبّر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان
ولا عجب يا عباد الله! أن يغفل الغافلون وهم يجهلون سلعة الرحمن، وهم يجهلون عذاب الله، ما داموا يجهلون الوعد والوعيد، والعقوبة والنعيم، ما داموا في غفلةٍ وجهلٍ عن ذلك، فلا غرابة أن تكون السلعة بين أيديهم ثمينة، ولا يشترونها بأيسر الأثمان، إلى أن قال رحمه الله:
شمسٌ لعنينٍ تزف إليه ماذا حيلة العنين في الغشيان
خوذٌ تزف إلى ضريرٍ مقعدٍ يا محنة الحسناء بالعميان
الذين لا يعرفون الجد والتشمير في هذه الدنيا، وأنها موسم العبادة والزرع، وأن التحصيل غداً، هم الذين يغفلون ويجهلون عن ذلك، فاجتهدوا وأعدوا واستعدوا لهذا الموسم المبارك؛ من الأعمال الصالحة، والتوبة الصادقة النصوح، والبذل في جميع وجوه البر والخير، بالنفقة والصدقة على المساكين والأقارب، والعناية ببيوت الله جل وعلا، والالتفات إلى مصالح المسلمين فيها، فإن من قدم خيراً يكون منفعته لجمعٍ من المسلمين، فإن أجره يعظم ومثوبته تزداد بقدر ما زاد، وبقدر ما بذل في هذا الأمر الذي نفعه ومصلحته عائدةٌ إلى جمعٍ كبير من المسلمين، ألا وإن من ذلك العناية بالمساجد، والالتفات إليها، وفعل كل ما يصلح شأنها، وفعل كل ما يريح المصلين فيها ويجعلهم يأنسون ويرغبون ويطمئنون للجلوس فيها، متقلبين بين ذكر الله، وتلاوة القرآن، والعكوف فيه، فهذا من أعظم الأعمال.
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من المحسنين، وأن يجعلنا وإياكم من التائبين التوبة الصادقة النصوح.
اللهم تقبل منا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم ما سألناك فأعطنا، وما لم نسألك فابتدأنا.
اللهم يا مفرج هم المكروبين! يا نصير المستضعفين! يا إله الأولين والآخرين! نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، أن تجعلنا من التائبين الذين تتوب عليهم بقدوم هذا الشهر المبارك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل لنا من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصمة، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم انصرهم بالإسلام، وانصر الإسلام بهم، اللهم ارفعهم بكتابك وسنة نبيك، اللهم ما علمت في أحدٍ خيراً لهم فقربه منهم، وما علمت في أحدٍ شراً لهم فأبعده عنهم، وأرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم من أراد بهم سوءاً وأراد بعلمائنا فتنة، وأراد بشبابنا ضلالاً، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء، اللهم أذهب سمعه وعقله وبصره، اللهم من أراد بهم سوءاً فمزق شمله، اللهم ففرق جمعه، اللهم من أراد بهم سوءاً اللهم أحصهم عدداً وأهلكهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، بقدرتك يا جبار السماوات والأرض.
اللهم اجعلنا على حوض نبيك من الواردين، ولكأسه من الشاربين، وعلى الصراط من العابرين، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمجرمين، وآتنا صحفنا باليمين، واجعلنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين! إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، نبيك محمدٍ وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.