الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله.
أيها الأحبة! اعلموا أن المؤمن كما أن خوفه من الله عظيم فله رجاءٌ في الله كبير، فالرجاء والخوف جناحان يطير بهما عباد الله إلى منازل الخلود والنعيم والآخرة، والرجاء هو: اطمئنان وراحة في انتظار ما يحبه العبد ويشتاق إليه مع قيام العبد بتحليل أسبابه، والمانع أن المؤمن يرجو النعيم في قبره، والأمن في محشره، والجنة دار المقيم له برحمة ربه مع بذله أسباب الفوز والفلاح وفعل ما يرضي الله وتجنب ما يسخطه؛ لأن الرجاء مرتبطٌ بالعمل، أما الرجاء الذي لا يصحبه عملٌ صالح، ولا يقترن به عبادة مخلصة، فهو تمنٍ مجرد، وما ظنكم -معاشر المؤمنين- برجلٍ يقول: أرجو أن يوهب لي ولدٌ صالح ولم يتزوج؟ أو يقول: أرجو أن تنبت هذه الأرض عنباً ورماناً وهو لم يحرث ولم يبذرها ولم يبذل أي سببٍ في إصلاحها؟ فلا شك أنكم تقولون: هذا مجنون لا عقل له.
إذاً: فما تقولون في رجالٍ لا يشهدون الصلاة مع الجماعة غافلين عن ذكر ربهم وعبادة خالقهم في ملهاة بالغناء والطرب والمعاصي واللهو منشغلين بذلك عن كل خيرٍ ومعروف مجترئين بذلك على حدود الله ومحرماته، ولو كلمه أحدكم وقال: أي عملٍ قدمت بين يديك؟ لرد عليه قائلاً: إني أرجو الجنة وأرجو رحمة ربي، وهو مصرٌ على المعصية، مقيمٌ على الفاحشة، فهل يسمى قوله هذا رجاء؟ لا والله، بل هذا هو التمني رأس عنوان المثل الذي يصدر من العاجزين، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، ورحم الله القائل:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
وعلى ذلك فالرجاء الصادق ينطبق على انتظار الجزاء والثواب بعد تمهيد أسبابه المرتبطة بفعل الطاعة وتجنب المعصية، وبعد ذلك ينتظر العبد التوفيق والهداية والقبول من الله سبحانه وتعالى، لقد ذم الله جل شأنه أقواماً هذا شأنهم أقواماً يرجون بلا عمل، فقال سبحانه وتعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف:169] وقال سبحانه: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} [الكهف:35 - 36] وتأملوا قول الله جل شأنه في وصف عباده الراجين رحمته بصدق: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:218] فجعل الرجاء بعد الإيمان، وبعد الهجرة والجهاد، واعلموا -يا عباد الله- أن الرجاء محمودٌ ومطلوبٌ من العبد؛ لأنه دائبٌ على العمل، ومعينٌ على تحسينه بخلاف اليأس الذي هو مذموم وصارفٌ عن العمل.