معاشر المؤمنين! تأملوا كتاب الله، تعلمون كيف كان الملائكة المقربون الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، كيف كانوا يخافون من الله، كيف كانوا يخافون من خالقهم، يقول الله جل وعلا في وصفهم: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50] أما نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الذي غُُُُُُُُُُُُُُُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، تقول عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم وكان إذا رأى غيماً وريحاً عُرف ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرفت الكراهة في وجهك، فقال: يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا) أخرجاه في الصحيحين.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (أما والله لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تندبون أنفسكم وتجأرون إلى الله) أما الصحابة رضوان الله عليهم وفيهم من شهد له الرسول بالجنة، وهو بالجملة من أثنى الله عليهم في كتابه، فخوفهم من جلال ربهم، لقد كان أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه يقول: [يا ليتني كنت شجرةً تعضد ثم تؤكل] وكان رضي الله عنه يقول: [وددت أن أقدم على الله يوم القيامة لا لي ولا عليَّ] وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم: [هل عدني رسول الله من المنافقين؟] وكان عمر رضي الله عنه يسمع الآية فيمرض فيعاد أياماً، وقرأ ذاتٍ يومٍ في صلاة الفجر: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:8] فبكى ونشج نشيجاً عجيباً، فعاده الصحابة أياماً في بيته من شدة ما أصابه من خشية الله وخوفه، وكان عمر رضي الله عنه في وجهه خطان أسودان من البكاء.
وقال أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه: [وددت أن كنت كبشاً فذبحني أهلي فأكلوا لحمي وحشوا مرقي] وقال عمران بن حصين: [يا ليتني كنت رماداً تذروه الرياح] ويقول علي بن أبي طالب: [والله لقد رأيت أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعزة، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، إذا طال القيام سجدوا، وإذا طال السجود قاموا، فإذا أصبحوا ذكروا الله عز وجل، مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين].
أما التابعون لهم بإحسان والسلف الصالح فلهم من خشية الله وخوف عقابه ما تهتز لذكره القلوب، وتهتز له الأفئدة.