نهاية المطاف بعد اللهث

ثم أيها الأحبة! نقول لأحبابنا وشبابنا: أيها الشباب اسألوا الفنانين الذين تابوا وتركوا الفن، واسألوا المخرجين الذين تابوا وتركوا الأقذار الفنية والوحل الفني، اسألوهم: ماذا وجدوا في الفن والوسط الفني؟ فنانون يعترفون ويقولون: الوسط الفني وسط قذر، فنانات بعد التوبة يعترفن وتقول إحداهن: لا يمكن أن تكون فتاة نجمة العام أو نجمة الاحتفال أو بطلة فيلم إلا إذا وافقت على شروط مخرج أو صاحب القصة أو بطل الفيلم، ما هي الشروط؟ الفواحش والشذوذ والمعاصي! إذاً: يا إخوان لا تغركم صورة هذا الممثل مع هذه الممثلة على الشاشة، لكن ما الذي حدث قبل أن يخرجا على الشاشة؟ ما الذي حصل وقت بروفات التمثيلية؟ ما الذي حصل قبلها؟ حصل كل ما لا يخطر على بال من السفالة والقذر والوسخ وكل تعدٍ لحدود الأخلاق ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذاً: نقول للاهثين وراء هذه الأمور: اسألوا الذين عرفوا هذا وتركوه، اسألوا الذي عرفوا الفن وتابوا منه، اسألوا المطربين الفنانين التائبين، أحد الفنانين جلس عندي في بيتي وأسأله: ما الذي كان يبلغ إليه الفن في جلسات العود والطرب؟ قال: يا شيخ لا تصدق أن الفن هو ريشة ووتر، الفن جلسة بنات وكأس يدور، وفواحش تمر بهذه المرحلة، وتقف عند المخدرات، وتنتهي إلى الانتحار ولولا أن الله مَنَّ علي وهداني وإلا لكنت واحداً من ضحايا المخدرات الذين كنا نجلس في جلسات أولها الوتر وآخرها الخمر والمخدرات.

إذاً: نقول للاهثين وراء شهرة الفن، واللاهثين وراء النجومية نقول: اسألوا الذين سبقوكم وعادوا، إن مجموعة من الفنانين والفنانات تابوا إلى الله ورجعوا ومعهم الراية البيضاء يلوحون بها ويقولون: يا معاشر الشباب، يا معاشر الشابات عودوا فإنا جئناكم من آخر نقطة ينتهي إليها طريق الفن، فلم نجد في هذا الطريق إلا الدعارة والفساد والعهر والانحراف، لم نجد لحظة نخشع فيها، ولا دمعة نبكي خوفاً لله منها، ولم نجد ساعة خشوع، ولم نجد ساعة طمأنينة، بل كنا نصبح في قلق، ونمسي في قلق، ونمشي في هلع، ونتنقل في فزع هذه حياة الفن والفنانين إلا من رحم الله من الذين عادوا وتابوا أو في طريقهم إلى العودة والتوبة.

آخر: قابلته في السجن، أحد الفنانين كان مسجوناً فزرته في السجن، قلت له: يا فلان كيف تجد نفسك؟ لقد من الله عليه بالتوبة وحفظ جزأين من القرآن في السجن، قلت له: يا فلان كيف وجدت نفسك الآن؟ قال: والله لقد عرفت الفن أيام لبنان، أيام بيروت، والآن والله إني لا أستطيع أن أصف لك تلك المرحلة التي مررنا بها مروراً على الجلسات والحفلات حتى ما جمعناه من المال لا بركة فيه، وحتى إن المعجبين والمشجعين حولنا ويصفقون لنا، ويتقدموننا، ويتبعوننا، ويعطوننا بطاقات التعارف، ويدعوننا إلى حفلات اللقاء، ومع هذا كله والله ما كنا نأنس، وما كنا نلذ -وقال كلمته المشهورة-: ولو مت على ما أنا عليه لمت ميتة حمار.

يقوله ذلك الفنان التائب العائد.

فإلى شبابنا اللاهثين نقول: عودوا إلى الله فإن الطريق الذي تسلكونه قد سلكه أناس قبلكم وخبروه وسبروه واكتشفوه، وعرفوا غايته وأبعاده، ثم رجعوا ولكنهم قالوا كما قال رجل لما حضرته الوفاة، رجل من الذين كان لهم جلسات أنس وطرب مع صديق له، مع نديم حبيب له، توفي نديمه وتوفي حبيبه وصديقه، وأوصى هذا الرجل لما حضرته الوفاة أن يدفن عند نديمه أو بجوار قبر نديمه، وقبل موته قال كلمات، قال وهو يشير إلى قبر صديقه يقول:

يا صاحبي قم فقد أطلنا أنحن طول المدى هجود

فقال لي لن نقوم منها ما دام من فوقنا الصعيد

تذكر كم ليلة لهونا في ظلها والزمان عيد

هذا الذي يحتضر قبل الموت يكلم صاحبه الذي في القبر تحت التراب، ويذكره يقول: تذكر كم ليلة لهونا، كم سهرنا، كم فيلم رأينا، كم مجلة قلبنا، كم مرة عاكسنا، كم مرة صلحنا، كم مرة فعلنا

تذكر كم ليلة لهونا في ظلها والزمان عيد

وكم سرور همى علينا سحابة ثرةً تجود

كل كأن لم يكن تقضى وشؤمه حاضر عتيد

يقول: كل هذا كأن لم يكن، كأنما صار وتقضى وانتهى ومضى وانقضى وشؤمه -يعني: شؤم الذنب، وخطر الذنب والفاحشة والمعصية- وشؤمه حاضر عتيد.

كل كأن لم يكن تقضى وشؤمه حاضر عتيد

حصله كاتب حفيظ وظمه صادق شهيد

{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار:10 - 11]

يا ويلنا إن تنكبتنا رحمة من بطشه شديد

يا رب عفواً وأنت مولى قصر في أمرك العبيد

ثم مات الرجل ودفن إلى جوار صاحبه.

لو قدرنا لأولئك الذين مارسوا الملذات وهم من اللاهثين وراء الشهوات، وراء الأرصفة، والبنات، والطرقات، والمجلات، والمسلسلات، وراء كثير من الأمور، ثم ماذا؟ إن أهنأ عيشة قضيتها -كما يقول ابن الوردي لولده-:

اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل

ودع الذكرى لأيام الصبا فلأيام الصبا نجم أفل

إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل

ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتق الله البطل

العنترية والحموشية وقطع الطرق والاعتداء على الناس، والتسلط عليهم ليست بطولة.

وإنما تقوى الله، ومراقبة النفس، وإحكام تصرفات النفس هي البطولة الحقيقية التي ينبغي أن يتربى عليها الشباب وأن يعرفها الجميع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015