الحمد لله، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله على آلائه التي لا تنسى، الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، الحمد لله خلقنا من العدم وهدانا إلى الإسلام ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ومن كل خير سألناه أعطانا، الحمد لله على كل حال، الحمد لله الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أيها الأحبة في الله يا أهل رابغ نشهد الله أنا نحبكم في الله، ونسأله جل وعلا بأسمائه وصفاته واسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، أسأل الله لكم يا أهل رابغ ولنفسي ولإخواني المسلمين أن يجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاجعة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، ربنا لا تدع لهذه الوجوه في هذا المكان الطيب ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا كسيراً إلا جبرته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته.
إلهنا أنت تعلم مقامنا وتعلم يا ربنا أننا اجتمعنا نرجو جنتك ونخشى عذابك، إلهنا جئنا واجتمعنا بأحبابنا وجلس أحبابنا إلينا، والله لا نريد منهم ولا يريدون منا جزاءً ولا شكوراً من عرض الدنيا ومتاعها الفاني وإنما جئنا نستغفرك اللهم لذنوبنا، ونستجديك العون لحياتنا، ونسألك الاستقامة في سبيلنا.
أيها الأحبة موضوع محاضرتنا هو: (الشباب اللاهثون) وقبل أن أخوض في الموضوع فإني أشكر الإخوة الذين يعملون في مكتب الدعوة للتعاون التابع لإدارة أو رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وأسأل الله أن يجزيهم وأن يجزي إمام الجامع هذا خير الجزاء، وأن يوفقه ويعينه على تحمل أعباء الدعوة وإخوانه المشائخ الفضلاء وطلبة العلم النبلاء.
أيها الأحبة الشباب اللاهثون، اللاهثون: جمع لاهث، واللاهث هو الذي يركض يمنة ويسرة، ويرمي ببصره ويلتفت بعنقه ويسارع خطوه، ويحرك يده، ويشرئب ببصره يمنة ويسرة، ومن شدة الجهد والعناء والسير تجده يلهث، يتراد النفس، تجد الزفير والشهيق في نفسه متتابع، ولكن إلى أين؟ ومن أين؟ ولأجل من؟ وفي سبيل من؟ وعلى طريقة من؟ شباب لاهثون هم من أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا وأحبابنا وأقاربنا وقريباتنا، ألم تروا يوماً من الأيام شباباً يملئون الأرصفة والطرقات؟ ألم ترو يوماً من الأيام شباباً يتسكعون في الأسواق؟ ألم تروا يوماً من الأيام شباباً يجوبون الطرقات بسيارتهم ذاهبين آيبين؟ ألم تروا يوماً من الأيام شباباً أضناهم التشجيع وأتعبهم التصفيق والنعيق والتطبيق لكل ما يرونه من زبالات الحضارة الأجنبية وحثالات الفكر المستورد؟ ألم تروا شباباً ضاع وقتهم بين الأفلام والمسلسلات وأشرطة الفيديو ومسلسلات التلفاز؟ ألم تروا شباباً ضاعت أسماعهم في سماع الأغاني والملاهي؟ ألم تروا جيلاً ربما تعب جسده وأضنى بدنه وراء الرقص والطبلة والمزمار؟ ألم تروا شباباً يتابع آخر فريق فاز وآخر دوري نصب، ومن هو الذي نال الكأس، ومن هو الذي رشح للبطولة، ومن الذي تقدم لدوري الأربعة؟ ألم تروا شابات أشغلتهن موضات الأزياء ومجلات البُردَ؟ ألم تروا جيلاً أشغلهم السهر يتبادلون السجائر والأحاديث التي لا فائدة فيها؟ ألم تروا هؤلاء؟ هؤلاء هم شريحة اللاهثين.
أولئك يلهثون ويتعبون، وتجد أحدهم يوم أن تجده قافلاً إلى بيته وتقول: يا فلان تعال معي خمس دقائق.
يقول: أنا الآن تعبان، أنا الآن نفسي يتطاير، أنا الآن نفسي يتصاعد.
تجده يلهث من شدة التعب والمشقة، لكن من أين؟ من الجهاد في سبيل الله؟ من الدعوة إلى الله؟ من مساعدة المنكوبين؟ من إغاثة الملهوفين؟ من طلب العلم؟ لا، جاء متعباً، جاء مضنىً، جاء منهكاً، ولكن من أين؟ جاء من معصية، أو من قضية تافهة، أو أمر لا يليق أن ينشغل به بشر كرمه الله جل وعلا وخلقه الله سبحانه وتعالى، وجعل فيه السمع والبصر والفؤاد، وخلقه في أحسن صورة وأحسن تقويم، وأسجد الملائكة لأبيه، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً، وحمله في البر والبحر، بشر أكرمه الله بهذه النعم ثم تراه بعد ذلك يأبى ويرفض ويرد كرامة الله ويختار النجاسة والزبالة والوحل والوضيعة والنقيصة والهوان!! أولئك هم اللاهثون، اللاهثون وراء الشهرة، اللاهثون وراء الوظيفة، اللاهثون وراء المنصب، اللاهثون وراء اللذة الجنسية والشذوذ الأخلاقي، اللاهثون وراء الفاحشة، اللاهثون وراء المعصية، اللاهثون وراء ما لا ينفع، واللاهثون وراء كل ما يضر هذه ليست صفة كل أبناء مجتمعنا لا، ففي مجتمعنا خير كثير، وأنتم من وجوه الخير الدالة على الخير في مجتمعنا، ولكن في مجتمعنا شريحة محدودة من الشباب والشابات، من البنين والبنات، من الرجال والنساء، هؤلاء يلهثون وراء ماذا؟ وراء ما لا ينفعهم في الدنيا ولا يرفعهم في الآخرة، ولا يسرهم في القبور، ولا يضيء لهم اللحود، ولا يؤنسهم في الوحشة.