الدعاء وأثره

معاشر المؤمنين! ثم ماذا بعد ذلك؟ الدعاء:

أتهزأ بالدعاء وتزدريه ولا تدري بما فعل الدعاء

الدعاء شأنه عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (يرتفع الدعاء وينزل القضاء فيعتلجان في السماء فأيهما غلب على الآخر غلب عليه) ولا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يدفع البلاء إلا الدعاء، ولكن كثيراً من المسلمين تركوا سلاحهم هذا.

سلاح الدعاء تركناه وراءنا ظهرياً، والبعض لا يرفع يديه ألبتة، وبعضهم يظن أو يرفع يديه وهو موقن أنه لم يسمع، أو موقن أنه لا يأبه بدعائه، لماذا هذا اليأس وهذا القنوط؟ لماذا يا عباد الله؟ وأنتم يا من في هذا المسجد لو وقفتم على باب أحد البشر تسألونه شيئاً استحى أن يرد ألفين أو ثلاثة آلاف خائبين أو أن يرد واحداً منهم، والله لو وقف هذا الجمع على باب واحد من الناس يسألونه أمراً من الأمور أو يستشفعون بين يديه في حاجة من الحوائج، ولو في قود الدماء وإزهاق النفس لعفا قبولاً لشفاعة هذا الجمع، فما بالكم لو رفعتم أيديكم إلى الله الذي هو أجود الأجودين وأكرم الأكرمين يستحي أن يرد عبده خائباً، ويستحي أن يرد يد عبده خاوية أو أن يرده خائباً.

عباد الله!

وإذا بليت ببذل وجهك سائلاً فابذله للمتفرج المفضال

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب

من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب

يا معاشر المؤمنين: والله إن عندنا سلاحاً من أقوى الأسلحة ما جربناه وما استعملناه، ألا وهو الدعاء، فيا للأسف! ويا للمصيبة! أن يكون أعداؤنا الكفار يثقون بربهم في باب الدعاء أعظم من ثقة المسلمين بربهم.

أقول لكم أمراً من الأمور: في بلد من البلدان وليست بعيدة جماعة من النصارى أصابهم قحط وجدب فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأطفالهم وصبيانهم ودخلوا الكنائس، ثم أخذوا يدعون ربهم أن ينزل عليهم الماء، فما خرجوا إلا وقد سقوا الماء، نصارى كفار يسألون الله الغيث فيغيثهم.

نعم.

إن رحمة الله واسعة ولولا أن رحمته واسعة ما جعل الكافر حياً على الأرض، وما جعل للكافر عيناً ولا سمعاً ولا رجلاً ولا يداً، لكنه سبحانه سنته ماضية: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] أي: مضطر ولو كان كافراً حينما يلجأ إلى الله فإن الله يجيبه، فهل نحن معاشر المسلمين معاشر المؤمنين الموحدين! هل لجأنا إلى الله لجوء الاضطرار؟ هل فزعنا إلى الله فزع المحتاج؟ الذي يعلم أن السبل إذا انقطعت به ليس له سبيل إلا سبيلاً وحبلاً بينه وبين ربه، وهذا قليل في المسلمين هداهم الله.

واعلموا -أيضاً- أن قائداً نصرانياً كان يرسل فرقة عسكرية وقبل أن يرسلها طلب من البابوات والرهبان والقسس أن يجمعوا الناس في الكنائس وأن يدعوا الرب لهذه الفرقة العسكرية المقاتلة، هذا ثقة أعداء الإسلام بربهم، هذه ثقة أمم كافرة بربها، فما حد ثقتكم أنتم بالله جل وعلا؟! إذا كان الدولار مكتوب عليه كلمة إنجليزية معناها نحن نثق بالله، فاعلموا يا معاشر المؤمنين! أن حاجتنا إلى الثقة والفزع والقرب واللجوء، والاضطرار إلى الله أحوج من أولئك الكفار، فيا معاشر المؤمنين! أين حظنا من هذا؟! أين حظنا من الله جل وعلا؟! يوم أن غزا نابليون مصر ماذا حصل؟ قام العلماء بجمع الناس في الأزهر وفي المساجد، وجمعوا طلبة العلم وحفظة القرآن حتى من الصبيان الصغار، وقالوا لهم: اقرءوا القرآن واقرءوا صحيح البخاري، وادعوا الله وتضرعوا حتى انقلبت المصيبة على ذلك الغازي الفاجر ورده الله مهزوماً.

يا معاشر المؤمنين: الدعاء سلاح معطل، الدعاء في الوتر، والدعاء في الفجر، والدعاء في القنوت، وفي السجود، وفي كل الأحوال، لماذا نعطل سلاحنا؟! هل بلغ بنا الهوان إلى حد نجد معنا سلاحاً ثم نعجز أن نرفعه ونحمله؟! هل بلغ بنا الهوان أن نجد في قلوبنا دعاء فلا نرفع أيدينا لنتلفظ به؟! هذه مصيبة عظيمة، أسأل الله ألا نكون من الذين قال الله فيهم: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67] ولا حول ولا قوة إلا بالله! إن كفار قريش، وكفار الأمم السالفة كانوا يعرفون صدق اللجوء إلى الله جل وعلا، يقول الله سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} [العنكبوت:65] دلت أنهم لما دعوا الله مخلصين نجاهم من أمواج البحر المتلاطمة: (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] مع ذلك استجاب الله فزعهم ولجوءهم واضطرارهم، فهل تفزعون إلى الله؟ هل تلجئون إلى الله؟ هل تدعون الله دعوة المضطر؟! {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} [غافر:60] الله الذي خلقكم يقول لكم: ادعوني، وأنتم تقولون: لا.

مستحيل! نستحي ندعوك يا رب؟ لا نستطيع أن ندعو، إذا كان الكفار دعوه فأجابهم، أفلا تدعون أنتم يا معاشر المسلمين؟ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر:60] فدل على أن من ترك الدعاء خشية أن يكون قد تركه كبراً والعياذ بالله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60].

ويقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] لكن أين من يدعو؟

عطايانا سحائب مرسلات ولكن ما وجدنا السائلين

وكل طريقنا نور ونور ولكن ما رأينا السالكين

عجباً للخلق والعباد في هذا الزمان.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015