واجب الأمة عند نزول الكوارث والمصائب

معاشر المؤمنين! نسوق هذه النصوص والأحاديث عن الأخوة لكي نعرف دورها في أحوال الكوارث، ولنعرف قدرها وفاعليتها وطبيعة فعلها وعملها حال الكوارث والنكبات والمصائب، وعند ذلك -أيها الأحبة- حينما تحل كارثة بأي أمة من الأمم فإن من أول واجباتها أن تضرع إلى الله، وتفزع إليه، وأن تعلم أن هذه الأبدان وهذه الأرواح خلقها الله ورزقها على الله، وآجالها بيد الله، ونواصيها بيد الله وقلوبها بيد الله، فالذي خلقها يحفظها، والذي أحياها يميتها، والذي أماتها يبعثها، والذي بعثها يحشرها، والذي حشرها ينشرها، وهو أعلم بكل أحوالها وأفعالها، فالفرار الفرار إلى الله، ما من أحد تفر منه إلا إلى غيره، إلا الله فإنك تفر منه إليه، تفر من الله إلى الله.

فيا معاشر المؤمنين! حينما تحل كارثة بأمة من الأمم فإن أول واجباتها الفرار إلى الله جل وعلا، والعودة إليه؛ لأن هذا مقتضى العقيدة، ومقتضى التوكل، ومقتضى الثقة بالله جل وعلا، أول ما يصيب المؤمن من أي فتنة أو بلاء من قليل أو كثير، أول ما يلزمه العودة إلى الله، يعود إلى الله بماذا؟ بتفقد حاله، هل هو عزيز على الله أم ذليل على الله؟ إذا أصابتك مصيبة ينبغي أن تفزع وأن تضرع إلى الله.

هل أنت مستهين بشرع ربك؟ وعند ذلك إذا عرفت موقعك من ربك بين العز والذل، وبين الكرم والإهانة، إذا عرفت موقعك من هذه المنازل عليك أن تحاسب نفسك حساباً شديداً: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} [آل عمران:165] من أين جاء لنا هذا؟ من أين أصابنا هذا؟ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] بل إن رحمة الله ومنة الله وفضل الله وسعة جود الله جل وعلا تجعلنا في نعم ونحن لا نستحقها، لكن: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:45]، {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ} [يونس:11] لو حصل لهم هذا ما بقي أحد يدب على الأرض أبداً.

فيا معاشر المؤمنين: اعلموا أن من أول واجبات أي أمة من الأمم حينما يصيبها أي أمر من الأمور والأقدار أن تفزع إلى الله، وأن تضرع إلى الله، وأول درجات الفزع والضراعة إلى الله أن تعرف موقعها هل هي قريبة أم بعيدة من الله؟ فإن كانت قريبة فلتزدد في القرب درجات، وإن كانت بعيدة فلتتب إلى الله من الخطايا والسيئات، ولتتقرب إلى الله بترك المعاصي والمنكرات، فإن ما عند الله لا يستجلب بمعصيته، وإن ما عند الله لا يستدر بمخالفة أمره، وإن ما عند الله لا يستنزل بارتكاب ما نهى عنه، بل إن ما عند الله يستدر ويستنزل ويطلب ويستجلب بطاعة الله جل وعلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015