الأول: ضعف التوحيد في قلب العبد: فإن العبد الذي يضعف التوحيد في قلبه، ويضعف التوكل على الله عز وجل في نفسه وفؤاده، تراه مسكيناً ضعيفاً؛ ولذلك فإن الشيطان صرح كما أخبر الله عز وجل: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82] {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر:40] وقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42] وقال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ} [النحل:99] أي: الشيطان {سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:99].
فالمخلص العابد المعتني بالطاعة المتوكل على ربه حقيقة التوكل، ليس للشيطان عليه سلطان، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون، فمن لم يتحصن بالتوحيد وقع في حبائل السحرة والمشعوذين إذا خططوا ودبروا ذلك وأراد الله ذلك أو كان ذلك بمشيئة الله عز وجل.
الثاني: الإسراف على النفس بالذنوب: كذلك أيها الأحبة! كثير ممن يقعون في السحر وحبائله وفخاخه ممن يسرفون على أنفسهم بالذنوب والمعاصي، والله عز وجل يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30] ويقول عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران:165] وإن كانت الآيات قد نزلت في غزوة أحد، لكن كما في القواعد الشرعية الأصولية: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165].
فالإنسان المضيع للواجبات، المرتكب للمعاصي والمحرمات، والمتساهل بكثير من الأمور؛ فإنه يكون أكثر من غيره وأقرب وأسهل من غيره وعرضة أن يؤثر فيه السحر وأن يقع فيه السحر.
الثالث: كذلك من الأسباب التي توقع في ذلك: التساهل في مجالسة هؤلاء السحرة، فإن هؤلاء السحرة بما وقعوا فيه من الأذى لا يرضون أن يكونوا فقط هم الذين يتسخرون للجن من بين سائر من حولهم من جلسائهم وأقربائهم، فتراهم إما أن يسحروهم ثم يوقعونهم ثم يستدرجونهم لكي يقعوا في ذات السحر الذي وقع فيه الساحر، وإما يؤذونهم بذلك أو ليجعلوهم تحت رحمتهم والعياذ بالله، وإما أن يمهدوا بذلك الطريق لكي يكونوا سحرة.
فمجالسة السحرة ومجالسة المشعوذين والتساهل بذلك ولو بدعوى الاستطلاع فإنه أمر يفضي إلى الوقوع فيه أو الإصابة به، وما كان صلى الله عليه وسلم ينطق على الهوى لما قال: (من ذهب إلى عراف فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) (ومن ذهب إليه وسأله ولم يصدقه -كما في الحديث- لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ذلك من شدة التحذير والتنفير من الوقوع والقرب من هؤلاء السحرة، وما تظنون برجل يجالس السحرة والمشعوذين هل ستكون نهايته أن يحفظ القرآن؟ أو يحفظ الصحيحين؟ أو يفهم مسائل الفقه وأمور الشريعة؟
صلى الله عليه وسلم لا، فكل يتعلم من القوم ما عندهم من البضاعة، وكل إناء بالذي فيه ينضح.