قال: [باب ما يحصل به الإقرار وما يغيّره].
العمدة في هذه الأبواب التي ذكرها المؤلف في هذا الباب وما بعده العمدة على الصحيح هي ما اعتاده الناس من الألفاظ، فنرجع إلى عادة الناس بألفاظهم، فالمقر نرجع إلى عادته بلفظه، أي: فلا نرجع إلى اللغة العربية الفصيحة عندما يكون المتكلم من العامة! بل الرجوع في هذا إلى عادة الناس في نطقهم فيما يُقرون به.
قال هنا: [من ادُّعي عليه بألف فقال: نعم].
ادّعى زيد على عمرو بأنه يريد منه ألفاً، فقال: نعم، فهذا إقرار.
[أو صدقت] هذا إقرار، [أو أنا مُقر] بما يقول، فهذا إقرار، [أو خذها، أو اتزنها، أو اقبضها؛ فقد أقر].
فهذه الألفاظ كلها تدل على الإقرار، وهذا -كما تقدم- نرجع فيه إلى عادة الناس وعرفهم في نطقهم.
[لا إن قال: أنا أقر]، قالوا: لأن قوله (أنا أُقر) يعني في المستقبل فيكون هذا وعداً.
يعني إذا قيل له: هل تقر أن زيداً يريد منك ألف ريال؟ فقال: أنا أُقر، يعني في المستقبل، فيكون وعداً ولا يُعد إقراراً.
[أو لا أُنكر]، قالوا: هو لم يقل أُقر؛ لأن بين الإقرار والإنكار السكوت فقد يسكت، فلا يقر ولا يُنكر، كأن يتذكّر هل يريد مني فلان شيئاً فإذا قال: (لا أُنكر) فلا يلزم من عدم الإنكار الإقرار.
وكما ذكرت لكم أن هذا يعود إلى عادة الناس في نطقهم فالآن ماذا يفهم القاضي وماذا يفهم الشهود وماذا يفهم من حضر إذا قال: أنا لا أُنكر؟
صلى الله عليه وسلم يفهمون أنه يُقر، لكن من جهة اللغة هناك سكوت وهناك إقرار وهناك إنكار.
قال: [أو خذ]، لو قال (خذ) فيُحتمل أن يقول (خذ) ويعني: خذ الجواب مني، فلا يكون إقراراً.
[أو اتزن] لاحتمال أن يقصد: اتزن ممن تريد منه أما أنا فليس عندي لك شيء.
[أو افتح كُمك] هل يكون قوله: افتح كُمك، أو افتح جيبك إقراراً؟ قالوا: لا؛ لأنه يُحتمل أن يقصد افتح كُمك للطمع.
وكما ذكرت لكم أن هذا من جهة اللغة، وأنا نرجع في الألفاظ إلى عادة الناس في نطقهم.
[وبلى في جواب: أليس لي عليك كذا؟ إقرار].
إذا قال: أليس لي عليك يا زيد مائة ألف ريال؟ فقال: بلى.
فهذا إقرار، لكن لو قال: نعم.
يقول: فليس بإقرار؛ لأن اللغة تقتضي ذلك، ولذا قال: [لا نعم، إلا من عامي] لأن العامي لا يُفرّق، وهذا يدل كما تقدم أنا نرجع في ذلك إلى ألفاظ الناس.
قال: [وإن قال: اقض ديني عليك ألفاً، أو هل لي، أو لي عليك ألف؟ فقال: نعم] هذا كذلك يُعد إقراراً [أو قال: أمهلني يوماً أو حتى أفتح الصندوق] فهذا يُعد إقراراً؛ لأنه لا يطلب المهلة إلا وهو يقر.
قال عند القاضي: أيها الشيخ أنا أدّعي على زيد أني أقرضته ألف ريال، فقال زيد: أمهلني أيها القاضي ثلاثة أيام، أو قال: أطلب أيها القاضي منه أن يمهلني شهراً فأنا الآن لا أقدر على السفر، فماذا يُعد هذا؟ الجواب: يُعد إقراراً لأنه ما طلب المهلة إلا وهو يُقر.
قال: [أو قال: له عليّ ألف إن شاء الله].
قلنا: هل تقر لزيد بشيء؟ قال: نعم، فهذا إقرار، أو قال: له عليّ ألف إن شاء الله؛ لأن (إن شاء الله) يكثر ويغلب أن تُقال تبركاً.
أو قال: [إلا أن يشاء الله] أي قال: له عليّ ألف إلا أن يشاء الله، فقوله (إلا أن يشاء الله) رفع للإقرار على أمر لا يعلمه، لأن مشيئة الله تخفى على العبد، وعلى ذلك فنقول: إن هذا إقرار منه.
[أو زيد، فقد أقر].
لو قال: له عليّ ألف إلا أن يشاء زيد، أو قال: له عليّ ألف لا تلزمني، فنقول: هذا قد أقر؛ لأنه لما قال: له عليّ ألف، فهذا إقرار، وأما رفع الإقرار فهذا بأمر محتمل فيبقى الإقرار.