قال: [باب اليمين في الدعاوى: البيّنة على المُدعي واليمين على من أنكر] وتقدم شرح هذا، وأنه جاء في البيهقي، وأن إجماع أهل العلم على أن البيّنة على المُدعي واليمين على من أنكر.
[ولا يمين على مُنكر ادُّعي عليه بحق لله تعالى كالحد].
تقدم أن اليمين على المُدّعى عليه لكن هذا لا يكون في حقوق الله جل وعلا؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة كالحد، ففي السرقة لا نُرجع إليه اليمين، لو ادّعى رجل أن فلاناً قد سرقه، وأتى بشاهد مثلاً أنه قد سرق فلا نقول لهذا المُدّعى عليه: احلف أنك لم تسرق؛ لأنه لو نكل فلا فائدة من نكوله، إذ لا يمكن أن نقيم عليه الحد بمجرد نكوله؛ لأنه لا يُقام عليه الحد إلا بإقراره واعترافه أو ببيّنة وهي شهادة رجلين.
قال: [ولو قذفاً]؛ لأنه حق لله تعالى، [والتعزير] كذلك، [والعبادة] أي: فلا يقال للإنسان احلف أنك تصلي؛ لأن حقوق الله جل وعلا مبنيّة على المسامحة ولا يُمكن أن نُحلّف فيها، ولا يُمكن أن نحكم بالنكول.
أيضاً: [إخراج الصدقة] لا يُقال للرجل: احلف أنك تُخرج صدقة مالك، ولذا قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يُستحلف الناس على صدقاتهم.
[والكفارة والنذر] كذلك لا يقال له: احلف أنك قد كفّرت عن يمينك، ولا احلف أنك قد أوفيت بنذرك.
وذلك لأن اليمين إنما جاءت في حقوق الآدميين، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المُدّعى عليه) رواه الإمام مسلم، فدل على أنها لا تكون في حقوق الله جل وعلا.
قال: [ولا على شاهد أنكر شهادته، وحاكم أنكر حكمه] إذا أنكر الشاهد أنه قد شهد بذلك، أو أنكر الحاكم أنه قد حكم بذلك، فإنا لا نوجه إلى أحد منهما اليمين؛ وذلك لأنه لا يُقضى في ذلك بالنكول، فإذا قال الشاهد: أنا لا أحلف فهل نقضي عليه بالنكول ونحمله الحق؟ لا.
إنما هو شاهد، ولذا فإنا لا نوجه إليه اليمين.
يقول: [ويحلف المُنكر في كل حق آدمي يُقصد منه المال كالديون والجنايات والإتلافات، فإن نكل عن اليمين قُضي عليه بالحق].
إذاً: يحلف المُنكر في كل حق آدمي يُقصد منه المال مثل القرض، والمبايعات، والديون، والجنايات التي فيها أرش أو دية، مثلما لو قتل خطأ، فما كان فيه مال أو يُقصد منه المال فهو الذي تتوجه فيه اليمين.
إذاً: القاضي لا يطلب اليمين إلا في حقوق الآدميين التي يُقصد منها المال.