قال: [فصل: ومن اضطر جاز له أن يأكل من المحرم ما يسد رمقه فقط].
لقول الله جل وعلا: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:173]] أي: من اضطر لأكل ما يحرم مما تقدم ذكره ((غَيْرَ بَاغٍ)) أي غير طالب لذلك ولا مريد له، فلا يشتهي هذا ويرغبه ويطلبه ((وَلا عَادٍ)) يعني: لا يتجاوز سد رمقه؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها، ولذا قال المؤلف هنا: [ما يسد رمقه فقط].
إذاً: من اضطر وهو لا يحمله على ذلك الشهوة وإنما حمله الاضطرار، ولا يأكل فوق ما يسد رمقه فهو غير باغ ولا عاد، فيجوز أن يأكل من الميتة أو من النجاسات ما يسد الرمق فقط، وما يدفع ضرورته فقط لا يتجاوز ذلك.
وعنه: له الشبع؛ يعني: له أن يشبع من الميتة، والصحيح ما قاله الموفق رحمه الله: وأن له الشبع إذا كان لا يرجو زوال ضرورته.
يعني: إذا كان في حال بحيث إنه لا يرجو أن تزول عنه هذه الضرورة قريباً، وذلك أن بعض الناس يكون في مفازة ويجد ميتة ولا يرجو الوصول إلى الطعام فيقول: كيف أنتظر وليس لي طريق بحيث أني أنجو من هذه المفازة، فهذا له أن يأكل حتى يشبع، وأما إذا كان يرجو زوال هذه الضرورة فإنه يأكل ما يسد رمقه فقط.
قال: [ومن لم يجد إلا آدمياً مباح الدم كحربي وزان محصن فله قتله وأكله]: إذا لم يجد طعاماً يأكله، ولم يجد إلا آدمياً مباح الدم، أي: غير معصوم الدم، ومعصوم الدم هو المسلم والذمي، فإذا كان معصوم الدم فلا يجوز قتله لدفع المجاعة ودفع الاضطرار.
وأما إذا كان حربياً أو كان زانياً محصناً قد أُبيح دمه لزناه، فإنه يجوز قتله وأكله.
فإن وجد معصوماً ميتاً، فهل له أن يأكله؟ إذا لم يجد ما يأكل إلا هذا المعصوم الميت فالمذهب أنه لا يجوز أكله.
والقول الثاني في المسألة وهو الراجح: أنه يجوز أكله، وهو مذهب الشافعية؛ لأن حرمة الحي تُقدم على حُرمة الميت، فهو لم يقتله لكنه ميت وهو معصوم الدم فأكل منه ما يدفع به ضرورته.
وهل يجوز أن يأكل من بدنه كفخذه ونحوه ما تزول به ضرورته؟ قولان: المشهور في المذهب أنه لا يجوز.
والقول الثاني في المذهب: الجواز، وهو أصح؛ لأن أكله شيئاً من فخذه مفسدة صغرى فتُقدم على المفسدة الكبرى وهي هلكته؛ فلا بأس بذلك على الصحيح.