قال المؤلف رحمه الله: [يُباح كل طعام طاهر لا مضرة فيه]: وكل طعام طاهر غير نجس ولا مضرة فيه فإنه يُباح، وأما إذا كان فيه مضرة فلا يُباح، قال الله جل وعلا: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195].
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار).
فما فيه مضرة على الأبدان أو على الأخلاق أو على العقول فإنه يحرم، وهذا هو أصح القولين في تعريف الخبيث، فالصحيح أن الخبيث في قوله جل وعلا: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] أن الخبائث ما فيها ضرر على الأبدان كالدخان، أو الأديان والأخلاق كلحم السباع، أو العقول كالخمرة.
وقال الجمهور: إن الخبيث: هو ما استخبثه العرب من أهل الحجاز من الحاضرة ذوي اليسار.
فكل ما استخبثه العرب من أهل الحجاز الذين نزل القرآن عليهم وكانوا من الحاضرة لا من البادية، وكانوا من ذوي اليسار، فما استخبثوه فهو خبيث مُحرّم؛ قالوا: لأن القرآن نزل عليهم فما استخبثه العجم لا يُعد خبيثاً، وما استخبثه أهل البادية من العرب لا يُعد خبيثاً، وما استخبثه ذوو الحاجة والفقر لا يُعد خبيثاً، وما استطابوه لا يُعد طيباً.
إذاً: ما استطابه أو استخبثه العجم أو أهل البادية فإنه لا يُعد طيباً ولا خبيثاً، هذا هو قول الجمهور.
والصحيح وهو مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هو قول أحمد وقدماء أصحابه؛ لكن هذا خلاف المشهور عند الحنابلة: أن الخبيث هو الضار الذي يضر بالأبدان أو العقول أو الأخلاق.
فقوله جل وعلا: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف:157] يعني: يحل لهم الطيب بذاته {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] يعني يُحرّم عليهم الخبيث بذاته، فهو خبيث بذاته فيه ضرر ولا نرجع في ذلك إلى ما تقدم ذكره؛ لأن الاستخباث أمر اعتباري، ولذا لما أُتي بالضب في مائدته عليه الصلاة والسلام قال: (إني لم أجده في أرض قومي فأجدني أعافه) متفق عليه.
بعض الناس قد يستخبث لحم البقر؛ لأنه لم يعتد أكله، ولم يعتد أهله أكل ذلك، ولا يجد أن قومه يأكلونه، وبعضهم قد يستخبث أكل لحم الإبل، وبعضهم يستخبث بعض الصيد، وبعضهم يستخبث الضب وعلى ذلك فنقول: إن الصحيح أن الخبيث: هو ما كان خبيثاً بذاته، وأن الطيب: هو ما كان طيباً بذاته، وأن المعنى: أن الله جل وعلا يُحل لهم فيما يوحيه إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان طيباً، ويحرم عليهم فيما يوحيه إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان خبيثاً هذا هو الصحيح.
وعلى ذلك فالحشرات تحل على مذهب الإمام مالك، وتحرم على قول الجمهور، والصحيح أنا نرجع إلى أهل الطب، فإن ذكروا لنا أن فيها ضرراً فإنا ننهى عن أكلها، وإن لم يذكروا فيها ذلك فإنا لا نقول بتحريمها إذاً الخبيث ما كان خبيثاً بذاته والطيب ما كان طيباً بذاته.
قال المؤلف رحمه الله: [حتى المسك ونحوه].
يجوز أن يوضع المسك في الشراب ويُشرب ولا مانع من ذلك، وإن كان الناس لا يعتادونه.
فمراد المؤلف هنا أن كون الناس لم يعتادوا على طعام لا يعني أنه حرام، مثل قشر البرتقال أو قشر الموز أو قشر البيض، فإنها أطعمة لم يعتد الناس أكلها، فلا نقول غنها حرام.