لا يجيزون جريحاً، ولا يطلبون دماً، أي: فمن فر فإنهم لا يطلبون دمه، ولا يسلبون مالاً، فالبغاة لا تسلب أموالهم، ولا تستباح دماؤهم إلا في الصف، فإذا جرح أحدهم لم يجهز عليه، وإن فر أحدهم لم يلحق، فإن كان فراره إلى فئة يقوى بها، وليس فاراً عن القتال هارباً منه، وإنما يريد أن ينضم إلى فئة أخرى، ليفر، فهذا ليس فاراً من القتال، وإنما هو فارٌ له، أو إليه، فقولان لأهل العلم: المذهب: أنه كذلك لا يطلب، والقول الثاني وهو مذهب أبي حنيفة: أنه يطلب، وهذا أصح لما تقدم؛ لأنه فارٌ له، وليس فاراً منه.
وقتال الخوارج ليس من هذا الباب؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) وقال: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء:89]، فقتال الخوارج ليس من هذا الباب في أصح القولين، وفي المسألة قولان: المشهور في المذهب: أن قتال الخوارج من جنس قتال البغاة، فلا يجهز على جريحهم، ولا يطلب فارهم، ولا يسلب مالهم، والقول الثاني في المسألة وهو قول في المذهب صححه الموفق والشارح، وصححه صاحب الإنصاف: أن قتال الخوارج ليس من هذا الباب؛ لأن الخوارج يستبيحون الدم، ويكفرون المسلم، ويستبيحون ماله، فليس قتالهم من جنس قتال البغاة، وهذا الذي تدل عليه الأدلة، ولكن هذا -على الصحيح- ليس فرعاً عن تكفيرهم؛ فإن أصح القولين -وهو المذهب- أنهم ليسوا بكفار، وهو اختيار شيخ الإسلام.
قال علي رضي الله عنه، وهو أعظم من قاتل الخوارج، وهذه من مناقبه رضي الله عنه، لما قيل له: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا.
رواه البيهقي.