قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في مقادير دية النفس.
دية الحر المسلم طفلاً كان أو كبيراً مائة بعيرٍ أو مائتا بقرة، أو ألفا شاةٍ أو ألف مثقالٍ ذهباً، أو اثنا عشر ألف درهمٍ فضة].
هذه أصول الدية في المشهور في المذهب للحر المسلم، ولو ولد للحظة، يعني: لو أن رجلاً ضرب امرأة في بطنها فأسقطت طفلاً لستة أشهر فأكثر، فبقي لحظة ثم مات، فإن الدية فيه كاملة.
قوله: [مائة بعير]، هذا هو الأصل الأول، فالأصل الأول الإبل، والواجب مائة بعير، وقد جاء في النسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل).
قوله: [أو مائتا بقرة]، هذا هو الأصل الثاني، [أو ألفا شاة]، هذا هو الأصل الثالث، [أو ألف مثقالٍ ذهباً]، والمثقال من الذهب يساوي أربع جرامات وربع من الذهب، [أو اثنا عشر ألف درهم فضة].
فهذه أصول الدية في المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، واستدلوا بما جاء عند أهل السنن عن ابن عباس رضي الله عنه (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى في دية رجلٍ قتل باثني عشر ألفاً) يعني: من الفضة.
وفي سنن النسائي من حديث عمرو بن حزم: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى في الدية بألف مثقال) يعني: من الذهب.
وعن ابن عمر رضي الله عنه في سنن أبي داود: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى في الدية بمائة من الإبل أو مائتين من البقر أو ألفي شاة أو مائتين من الحلل).
هذه الأدلة دالة بمجموعها على هذه الأصول الخمسة.
والقول الثاني في المسألة وهو قول الجمهور، ورواية عن أحمد، واختار هذا القول الموفق ابن قدامة والشيخ عبد الرحمن بن سعدي وعليه أئمة الدعوة: أن أصل الدية واحد وهو الإبل، وما سواها من الأصول الأخرى فهي فرع عنها.
واستدلوا بما جاء في سنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -والحديث إسناده جيد- قال (كانت قيمة الدية في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ثمانمائة دينار، أو ثمانية آلاف درهم، وكانت دية أهل الكتاب على نصف دية المسلمين، فلما استخلف عمر رضي الله عنه قال: ألا إن الإبل قد غلت، ففرضها في الذهب ألفاً، وفي الفضة اثني عشر ألفاً، وفي البقر مائتي بقرة، وفي الغنم ألفي شاة، وفي الحلل مائتي حلة) يعني: أنه قوَّم الإبل بهذه الأشياء، فجعل الإبل هي الأصل، قال: ولم يزد في دية أهل الكتاب.
وهذا القول هو الراجح، ويدل على ذلك: أن التغليظ في الإبل كما تقدم لكم في حديث شبه العمد، وفيه أربعون خلفة في بطونها أولادها.
وعلى ذلك فالصحيح أن الدية هي الإبل، ثم ننظر إلى قيمة الإبل من الدراهم أو الريالات أو غيرها من العملة، فإذا أوجبنا عليه مائة ناقة، سألنا أهل الخبرة عن قيمتها؟ فإن قالوا: تساوي مثلاً ستمائة ألف، أو تساوي سبعمائة ألف ريال أوجبناها كذلك.
وإن أحب أن تكون من البقر فكذلك ننظر إلى قيمة هذه المائة من البقر، وكذلك الغنم، وكذلك الدراهم.
وعلى ذلك فالأصل هو الإبل، وهذا القول هو القول الراجح، وهو رواية عن أحمد، وهو قول الجمهور، واختاره الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى.
قال: [ودية الحرة المسلمة على النصف من ذلك].
أي: ودية الحرة المسلمة على النصف من دية الرجل المسلم، لما جاء عند النسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام: (قضى أن عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها).
قوله: [قضى أن عقل] يعني: دية؛ لأن الدية تسمى عقلاً، ولذا سيأتي أن الذين يغرمون الدية يسمون عاقلة من العقل.
فهنا يقول عليه الصلاة والسلام: (عقل المرأة) يعني: دية المرأة (مثل عقل الرجل) يعني: مثل دية الرجل؛ (حتى تبلغ الثلث من ديتها)، أي: فإذا بلغت الثلث كانت على النصف من دية الرجل.
وله شاهد عن سعيد بن المسيب في موطأ مالك، ومراسيل سعيد عند أهل العلم حجة.
وله شاهد أيضاً عن عمر بن الخطاب في مصنف ابن أبي شيبة، وشاهد عن عثمان عند البيهقي، وأجمع أهل العلم على ذلك، فلا يعلم بينهم خلاف في ذلك، كما حكى ذلك ابن جرير والشافعي وغيرهم من أهل العلم، فهي من المسائل التي أجمع عليها أهل العلم، ولا يعتد بمن خالف في هذا، لا قديماً ولا حديثاً.
فعقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها، فإذا بلغ الثلث كان على النصف كما دلت عليه الآثار، أما هذا الحديث فهذا لفظه: (حتى تبلغ الثلث من ديتها).
واستُشكل هذا على سعيد بن المسيب فقيل له: إذا أخذت منها ثلاثة أصابع ففي