قال: [فإن قيل: إن الشارع قد نهى عن إضاعة المال فكيف يؤذن لهذا المجني على ماله أن يقتص من المعتدي بمثل ذلك؟ ف
صلى الله عليه وسلم إذا ثبت القصاص في الجرح وفي الطرف وفيه إتلاف لشيء من أعضاء الآدمي، فأولى من ذلك أن يقتص بإتلاف ماله، ولأن التشفي مقصود للشارع]، يعني: أن يزول ما في القلب من الغيظ، ولا يزول ذلك إلا بأخذه حقه بمثل ما فعل به، وهذا كذلك يقال في اللطمة ويقال في العصا.
ولأن المماثلة والعدل في ذلك أقرب من التعزير؛ لأن التعزير قد يكون بالحبس، وقد يكون بسياطٍ كثيرة، وهذا أقرب إلى المماثلة، فإذا أذنا له -أي: للمجني عليه- بأن يلطم الجاني الذي لطمه فهذا أقرب للمماثلة من أن نعزره بالحبس مثلاً، وإذا أذنا له بأن يضربه بالدرة أو أن يضربه بالعصا بعدد ما ضربه بعصاً يماثله؛ فإن المماثلة أقرب، نعم قد يكون هذا أشد، لكن المماثلة أقرب من تعزيره بحبس أو نحو ذلك، وهذا القول هو الراجح.
وأما المشهور عند الفقهاء فإنهم لا يرون القصاص إلا في النفس وفي الطرف وفي الجرح، وأما ما سوى ذلك فلا قصاص.
قال: [ومن لا فلا]، فمن أخذ بغيره في النفس أخذ به في ما دونها، فكما أن الرجل يقتل بالأنثى فإن طرف الرجل يؤخذ بطرف الأنثى، وجرح الرجل يؤخذ بجرح الأنثى، وما لا فلا، فكما أن الذمي لا يؤخذ به المسلم في النفس فلا يقتل المسلم بالذمي، فكذلك لا يؤخذ طرف المسلم بطرف الذمي، ولا يجرح مسلم جرح ذمياً، بل في ذلك الدية كما سيأتي شرحه إن شاء الله.