قال المصنف رحمه الله: [الثاني: اتفاق المستحقين على استيفائه؛ فلا ينفرد به بعضهم.
وينتظر قدوم الغائب، وتكليف غير المكلف].
الشرط الثاني لاستيفاء القصاص: اتفاق المستحقين: فلو أن بعضهم اختار القصاص، وبعضهم اختار الدية، فلا قصاص، لأن القصاص لا يتبعض، فلا يمكن أن نقتص من بعضه بناءً على اختيار بعض الورثة، ولذا لا بد من الاتفاق.
ولا ينفرد أحدهم بالقصاص؛ لأنه إذا انفرد فقد استوفى حق غيره؛ لأن القصاص ليس حقه فقط، بل له ولغيره.
قوله: [وينتظر قدوم الغائب وتكليف غير المكلف].
أي: ينتظر قدوم الغائب من المستحقين وإن بعدت غيبته، فلو كان أحد ورثة الدم غائباً فننتظر حتى يأتي؛ لأن له حقاً، فلا نضيع عليه حقه.
قوله: [وتكليف غير المكلف]: أي: ينتظر تكليف غير المكلف، فلو قتل رجل وله أبناء بعضهم بالغون وبعضهم غير بالغين، فينتظر حتى يبلغ غير المكلف.
والقول الثاني في المسألة وهو مذهب المالكية والأحناف، ورواية عن الإمام أحمد: أنا نكتفي بالكبار العاقلين، فإذا كان الورثة فيهم كبار عاقلون فإنا نكتفي بهم، وذلك لأن الله جل وعلا قال: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء:33]، والولي هو المكلف، ولا يصلح أن يكون غير المكلف ولياً، وعلى ذلك فأولياء الدم هم المكلفون يعني: البالغون العاقلون، وهذا هو الراجح.
فالراجح: أنه إن كان بعضهم مكلفاً، وبعضهم غير مكلف فاختار المكلفون باتفاقهم أنه يقتص منه؛ فإنه يقتص منه.
قال المصنف رحمه الله: [ومن مات من المستحقين فوارثه كهو].
تقدم أن للدم ورثة، فإذا مات أحد هؤلاء الورثة قام ورثته مقامه، مثلاً حصرنا ورثة هذا المجني عليه، ثم إنه قبل أن يقتص من الجاني مات أحد هؤلاء الورثة، فندخل ورثة هذا الميت في أولياء الدم.
قال المصنف رحمه الله: [وإن عفا بعضهم ولو زوج أو زوجة أو أقر بعفو شريكه سقط القصاص].
إن عفا بعضهم ولو زوجاً أو زوجة فإن القصاص يسقط كما تقدم في أثر عمر رضي الله عنه؛ وذلك لأن القصاص لا يتبعض، يعني: لا يمكن أن نوافق بعضهم في القصاص، وأن نوافق بعضهم في تركه.
وقوله: [أو أقر بعفوٍ شريكه سقط القصاص].
أي: لو قال أحد ورثة الدم: أنا لم أعف، لكنه أقر بأن شريكه في الدم قد عفا، كأن قال: أنا أقر أن أخي فلاناً -وهو من ورثة الدم- قد عفا، لأنه أتاه فلان وفلان من وجهاء الناس وطلبوا منه العفو فعفا، لكن أنا لا أعفو، فهذا الإقرار يؤخذ به؛ لأن هذا كالإقرار على النفس.