قال المصنف رحمه الله: [الثالث: الخطأ، وهو أن يفعل ما يجوز له فعله من دق أو رمي صيد أو نحوه، فيبين آدمياً معصوماً، ففي القسمين الأخيرين الكفارة على القاتل، والدية على عاقلته].
النوع الثالث: قتل الخطأ، وهو: أن يفعل ما له فعله، يعني: ما يجوز له فعله، كأن يرمي صيداً، أو يقصد هدفاً يتمرن به على الرمي، فهو يفعل ما يجوز له فعله، ولم يقصد الجناية.
إذاً: الفرق بين هذا القسم والقسمين اللذين قبله هو قصد الجناية، فهنا قاتل الخطأ لم يقصد الجناية، وأما قاتل العمد وقاتل شبه العمد فإنه قد قصد الجناية.
فقاتل الخطأ إنما أراد هدفاً أو أراد صيداً ونحو ذلك، أو كان يقود سيارته ولا يقصد الجناية، لكن لو حرف السيارة قاصداً الاعتداء على أحد من المشاة فإن هذا قصد في الجناية.
إذاً: قتل الخطأ ليس فيه قصد للجناية، ولذا قال: (أن يفعل ما يجوز له فعله من دق لشيء) أي: يريد أن يدق شيئاً، أو يرمي صيداً ونحو ذلك، أو ينقلب وهو نائم، كالأم تنقلب على وليدها وهي نائمة، فهذا هو قتل الخطأ، وهذا لا قصاص فيه، والدية فيه مخففة.
إذاً: ضابط قتل الخطأ هو: أن لا يقصد الجناية، بل يفعل ما يجوز له فعله، لكن فعله هذا يقتل إنساناً.
وقول المؤلف هنا: [أن يفعل ما يجوز له فعله] يفهم منه: أنه إذا فعل ما لا يجوز فعله، وإن لم يقصد الجناية؛ فإنه لا يكون قتل خطأ، ويتضح هذا بمثالين: المثال الأول: رجل قصد أن يرمي شاة أو ناقة لمعصوم، فليس له أن يفعل ذلك، فمثلاً هذا رجل له مزرعة، فأتت الإبل لتدخل مزرعته، فأخذ سلاحه ورمى هذه الإبل، فليس له أن يفعل ذلك، ولكنه فعل فأصاب الراعي.
المثال الثاني: هذا رجل بينه وبين زيد من الناس مشكلة، فرفع السلاح يريد أن يقتله، ثم إن هذا الذي يراد قتله لم تصبه هذه الرصاصة، وإنما أصابت شخصاً آخر فقتلته.
فهو لم يقصد القتل بعينه، وإنما قصد الآخر، لكنه ليس له أن يفعل ذلك.
ففي المثالين جميعاً يكون قتله قتل عمدٍ، هذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد كما في المنتهى.
وفي الإقناع أن هذا خطأ في المثالين جميعاً، والذي يترجح لي التفصيل، أما في قصد الحيوان، فالذي يقوى أنه يكون قتل خطأ، وأما في قصد الآدمي فإنه يكون عمداً؛ لأنه قصد قتل نفسٍ فأصاب غيرها، وهذا نظير هذا.
وقول المؤلف: [ففي القسمين الأخيرين الكفارة على القاتل، والدية على عاقلته]، معناه أن الكفارة على القاتل في القسمين الأخيرين، يعني: في شبه العمد، وفي قتل الخطأ، وإن كان القاتل صبياً.
وعمد الصبي والمجنون يعد خطأً، وعلى ذلك فتكون الكفارة في ماليهما.
أما الدية فتكون على العاقلة، ويأتي شرح العاقلة إن شاء الله، فلا يؤخذ من ماله، وإنما يؤخذ من عاقلته، فمن قتل شبه عمدٍ أخذت الدية من عاقلته كما تقدم في قصة الهذليتين، وكذلك من قتل خطأً فلا تؤخذ من ماله، وإنما تؤخذ من عاقلته، وأما من قتل عمداً فإنها تؤخذ من ماله.