قال المصنف رحمه الله: [الثاني: شبه العمد، وهو أن يقصده بجناية لا تقتل غالباً، ولم يجرحه بها].
هذا شبه العمد، جاء في سنن أبي داود وغيره: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألا إن دية الخطأ شبه العمد قتيل العصا والسوط مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها).
وجاء في الصحيحين: (أن امرأتين من هذيل اقتتلتا، فضربت إحداهما الأخرى بحجر في بطنها فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي عليه الصلاة والسلام في الجنين بغرة عبد أو وليدة، وقضى أن دية المرأة على العاقلة).
هذا شبه عمد، فما هو ضابطه؟ قال المؤلف هنا: [أن يقصده بجناية لا تقتل غالباً].
إذاً: قصد الجناية مشترك بين العمد وشبه العمد، فقد قصد الجناية، ولم يكن قد ظن المجني عليه صيداً أو ظنه هدفاً، بل قصد الاعتداء على هذا الشخص، فهذا محل الاشتراك بين قتل العمد وشبه العمد، لكن هنا ذكر أنه قصده بما لا يقتل غالباً كالعصا والسوط، فإن العصا والسوط لا يقتلان غالباً، أو أن يغرز إبرة في يده، أو أن يلكزه في بطنه بيده، ونحو ذلك، فهذا لا يقتل في الغالب.
لكن إن كان هذا الشخص مما يقتله هذا في الغالب، أو كان الموضع موضعاً قاتلاً في الغالب، كما لو ضربه بعصا في مكان من الرأس هو مقتل، فهذا يقتل غالباً، نعم العصا لا يقتل في الغالب، لكن هذا الموضع إذا ضرب بالعصا يقتل في الغالب.
لو غرز إبرة في قلبه فذلك يقتل غالباً، مع أن الإبرة في الأصل لا تقتل غالباً لو غرزت في موضع آخر.
أما في هذا الموضع فإنها تقتل غالباً.
جلد مائة سوط لا يقتل غالباً، لكن لو كان مريضاً شديد المرض فإن هذه تقتله غالباً.
إذاً: ننظر إلى الآلة والفعل، وننظر كذلك إلى الموضع أو الشخص، لنعرف هل هذا يقتل غالباً أو لا يقتل غالباً؛ فإذا كان لا يقتل غالباً وقد تعمد الجناية فإن هذا يكون شبه عمدٍ، وقتل شبه العمد كما تقدم لا قصاص فيه، لكن الدية فيه مغلظة أغلظ من قتل الخطأ، ولذا جاء في الحديث: (أن فيه مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها).