قال: [فصل: في كنايات الطلاق].
تقدم الكلام في صريحه، وهنا الكلام في كناية الطلاق، قال المؤلف: [وكنايته لابد فيها من نية الطلاق].
يقول: اخرجي إلى أهلك، اذهبي إلى أهلك، غطي وجهك، ويكون نوى في قلبه الطلاق، لكن لو كانت نيته: اذهبي إلى أهلك مؤدبة أو مهانة لم يقع به الطلاق.
قال: [وهي قسمان: ظاهرة وخفية، فالظاهرة يقع بها الثلاث].
الكناية نوعان: كناية ظاهرة وكناية خفية، الكناية الظاهرة يقع بها الطلاق الثلاث، وهذا على القول بأن طلاق الثلاث يقع ثلاثاً، وأما على القول بأن طلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة كما هو الصحيح، فلا فرق بين النوعين.
قال: [والخفية يقع بها واحدة ما لم ينو أكثر].
فإذا نوى أكثر وقع أكثر بحسب نيته.
الآن يذكر لنا أمثلة على الظاهرة، قال المؤلف: [فالظاهرة: أنت خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وأنت حرة، وأنت الحرج، وحبلك على غاربك، وتزوجي من شئت، وحللت للأزواج، ولا سبيل لي عليك أو لا سلطان، وأعتقتك، وغطي شعرك، وتقنعي].
هذه كلها من ألفاظ الكناية الظاهرة، وهذه يقع بها الثلاث عند من يقول بالثلاث، وعند من يقول: إن الثلاث واحدة هي واحدة.
قال: [والخفية اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وخليتك، وأنت مخلاة، وأنت واحدة، ولست لي بامرأة، واعتدي، واستبرئي، واعتزلي، والحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك، وما بقي شيء، وأغناك الله، وإن الله قد طلقك، والله قد أراحك مني، وجرى القلم].
هذه كلها كنايات خفية تقع بها واحدة.
إذاً: الكناية تشترط فيها النية، فلا يقع الطلاق بالكناية إلا مع النية، ولكن هنا المؤلف يقول: [ولا تشترط النية في حال الخصومة والغضب، وإذا سألته طلاقها].
هذا رجل في حال الغضب أتى بكناية، أو المرأة سألته الطلاق فقال لها: أنت مخلاة، أنت برية، أنت بتة، أو كان في حال خصومة بينه وبينها، فلا يحتاج هذا إلى نية؛ لأن قرينة الحال تكفي عن النية، فالغضب قرينة حال، والخصومة قرينة حال، وسؤالها الطلاق قرينة حال.
فإذا أتى بلفظ من ألفاظ الكناية في غضب أو في خصومة أو عند سؤالها فهذا يكفي عن النية، فلو قال في هذه الحالة: لم أرد الطلاق، دين ولم يقبل حكماً.
هذا رجل اشتكته المرأة وقالت: إن زوجي قال: أنت برية، أو قال: حبلك على غاربك فقلنا: متى قال هذا؟ قالت: عندما سألته الطلاق، أو قالت: صار بيني وبينه خصومة فقال: حبلك على غاربك، فإن القاضي يحكم بالطلاق.
لو قال: أنا لا أريد الطلاق، فنقول له: حال الخصومة أو حال الغضب أو سؤال المرأة للطلاق، يكفي عن النية، أما إذا لم يترافعا إلى القاضي فإنه يدين فيما بينه وبين الله، ولذا قال المؤلف: [فلو قال في هذه الحالة: لم أرد الطلاق، ودين ولم يقبل حكماً].
يعني: في جهة الدين يدين ويرجع الأمر إلى ذمته، وأما من جهة الحكم فإن القاضي يحكم بالظاهر، والظاهر أنه طلاق، لأنه في حال خصومة أو غضب أو عند سؤالها الطلاق.
إذاً: خلصنا مما تقدم أن صريح الطلاق لا تشترط فيه نية ولا قرينة حال، وأما كناية الطلاق فإنه تشترط فيه النية أو قرينة الحال من غضب أو خصومة أو سؤال المرأة.