أساس تزكية النفس توحيد الله تعالى

فأول أساس وقاعدة تزكو بها النفس ويلزم صاحبها أن يتبع ذلك إنما هو توحيد الله تبارك وتعالى، فالتوحيد الخالص لله عز وجل هو الذي تزكو به النفوس، ولذلك شتان بين نفس المشرك أو المنافق أو الفاسق، وبين نفس المؤمن الكامل الإيمان، فإن نفس المشرك في أسفل سافلين، وأما نفس المؤمن فهي في أعلى عليين، ولذلك هناك أسس عملية لتزكية النفس، ويسبقها أسس عقدية، وهذه الأسس العقدية التي تلزم لتزكية النفس هي: توحيد الله عز وجل، والاعتصام بالكتاب والسنة -أي: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم- وكذلك: الإيمان بالقضاء والقدر، والإيمان باليوم الآخر، هذه أسس اعتقادية ينبغي على المرء أن يحققها؛ بتوحيده لله عز وجل التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة الشرك ولا الفسق، وهذا هو الذي قام بهذا التوحيد، لابد وأنه قد حقق معنى لا إله إلا الله، ومن اعتصم بالكتاب والسنة، لابد وأنه قد حقق المتابعة، والانقياد للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الشق الثاني من شهادة التوحيد وهي: شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلابد وأن نؤمن بمعنى (لا إله إلا الله)، وكذلك لابد أن نؤمن بمعنى (محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالأولى تقتضي تمام التوحيد لله عز وجل، والثانية تقتضي تمام الاتباع والانقياد للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي بعد ذلك الإيمان بالقضاء والقدر، فلو أنك علمت يا عبد الله أن كل شيء مقدر من عند الله عز وجل، الخير والشر من عند الله، لهنأ بالك، وتحقق عندك الحديث: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، فإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن)، فالمؤمن هو الذي إذا أصابته نعمة من عند الله حمد الله عليها، وإذا نزل به البلاء حمد الله كذلك؛ لأن الله عز وجل قال في الحديث القدسي: (وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي أمنين ولا خوفين، إن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة).

فلعلك -يا عبد الله- لا تدري ما البلية التي نزلت بك، فربما كانت تحمل بين طياتها منحة من الله عز وجل، واعلم إن كنت صاحب ذنوب فمن مصلحتك في الدنيا والآخرة أن تبتلى وأن تصبر على هذا البلاء، حتى يكفر الله عنك الذنوب والخطايا، وإن كنت صاحب طاعة -بينك وبين المعصية بعد المشرقين- فاعلم أن البلية التي نزلت بك إنما هي منحة من الله عز وجل؛ ليرفعك بها ويرفع درجاتك كذلك، فأنت في خير وفي نعمة على كل حال، لكن هذا لا يتحقق إلا للمؤمن الذي حقق التوحيد والمتابعة للنبي عليه الصلاة والسلام.

وأنتم تعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام هو أتقى الخلق، وأحسن الخلق على الإطلاق، ومع هذا فقد ابتلي، ونزلت به المصائب تترا، هل لأنه عصى الله؟ معاذ الله أن يكون كذلك ولكن الله تعالى رفعه بتلك المصائب والبلايا فوق العالمين في الجنة، كما رفعه في الدنيا؛ لماذا؟ لأنه قد زكت نفسه، وعمل وحرص طيلة حياته -حتى قبل البعثة- على زكاة نفسه، وعلى توحيد ربه، ألا تدرون أنه كان يخلو في الغار يعبده سبحانه وتعالى؟ لماذا؟ كل هذا طهارة للنفس، وزكاة لها.

فالنبي عليه الصلاة والسلام زكى نفسه، وعمل طيلة حياته على تزكية نفوس أصحابه، ولذلك نقرأ ونسمع عنهم العجب العجاب، في قيامهم، وذكرهم وتسبيحهم وتهليلهم، وإنما ذلك كله بسبب زكاة نفوسهم، ولو كانت خبيثة -معاذ الله- فما الذي كان يقربهم إلى الله عز وجل هذا القرب، ويدنيهم منه هذا الدنو؟ فالبون شاسع بيننا وبينهم؛ لأنهم قوم عملوا على زكاة أنفسهم، ونحن قوم حرصنا كل الحرص على أن ندسها في التراب، وأن نرغمها في الوحل، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

فالتوحيد الخالص لله عز وجل هو العامل الأساسي في زكاة النفس، ورقيها وعلوها، وطوافها حول العرش، ولذلك يعرف ابن تيمية عليه رحمة الله العبادة بقوله: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة، فكل ما يحبه الله ويرضاه فهو عبادة، وكل ما يبغضه الله ورسوله فهو معصية نهى عن الاقتراب منها وعن ارتكابها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015