أهمية النصيحة ومكانتها في الدين

أيها الإخوة الكرام! إن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى نصح لهذه الأمة، وكذلك كلف من أتى بعده بأن يكون ناصحاً لهذه الأمة، وبين النبي عليه الصلاة والسلام أعظم ركن وأعظم فرض في هذا الدين فيما رواه مسلم من حديث تميم الداري أنه قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم).

فانظروا إلى هذا الحديث فقد شمل الدين كله وعممه أحسن عموم، وفي هذا الحديث بيان أن النصيحة أعظم ركن في الإسلام؛ لأن كل مسلم مكلف بها.

وقوله: (الدين النصيحة) كأنه أراد أن يقول: إن ذات الدين هي النصيحة، وإن النصيحة للأمة هي الدين، كما قال عليه الصلاة والسلام (الحج عرفة)، ولا يعني ذلك أن الفرض الوحيد في الحج هو الوقوف بعرفة، ولكنه أعظم فرض، ولذلك خصه بالذكر، وأن من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج كله، ومن فرط أو قصر في غيره فإنه يجبر بذبح الهدي، والدين كله هو النصيحة.

أما حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما -وهو المعروف بحديث جبريل الطويل-: (أنه طلع عليهم رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة وأن تؤتي الزكاة وأن تحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه) لأنه من عادة السائل أن يكون جاهلاً، فكيف يصدق جواب المجيب؟! وهذا يدل على أنه ليس جاهلاً، وهذا معلوم ومقرر في طلب العلم، أنه يجوز للعالم أن يطرح المسألة على صاحب المجلس حتى يعلم الجاهل، (فقال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: أنا وأنت فيها سواء لا يعلمها أحد من الخلق إنما استأثر الله تبارك وتعالى بعلمها، (قال: فأخبرني عن أماراتها) أي: عن أشراطها، ومقدماتها التي تظهر قبلها (قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان، فلبث ملياً ثم انطلق، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ردوه علي، فطفق القوم ليردوه فلم يجدوا شيئاً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم، وفي رواية: يعلمكم دينكم).

فانظر إلى هذا الحديث فقد سمى الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة ديناً، فقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة) يدل على أن النصيحة لازمة في الإسلام، والإيمان، وأشراط الساعة، والإحسان، وهو: أن تعبد الله تبارك وتعالى كأنك تراه، فإن كان ذلك حالهم في الدنيا فإنه وارد وثابت لأهل الإيمان في الآخرة، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام وكان جالساً مع قومه في ليلة مقمرة، فسأله سائل: (هل نرى ربنا يا رسول الله؟ قال: نعم، إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر ليس بينكم وبينه سحاب لا تضامون في رؤيته) أي: لا يحصل لكم ريب ولا شك.

وأما أهل الكفر والعناد والجحود فإنهم يحال بينهم وبين رؤية المولى تبارك وتعالى عقوبة لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015