فضل قيام الليل

في باب قيام الليل الذي هو شرف المؤمن يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن قيام الليل دأب الصالحين قبلكم).

يعني: أن قيام الليل هو دأب الأنبياء والحواريين، وأتباع الأنبياء السابقين، فقد كانوا يقومون لله عز وجل بالليل؛ ليعبدوه في وقت نزول الرب تبارك وتعالى، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن ربكم ينزل إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الآخر، فينادي الله تعالى فيقول: ألا هل من داع فأجيبه؟ ألا هل من مستغفر فأغفر له؟) ألا هل من كيت وكيت؟ ولا يزال الله تعالى ينادي على عباده حتى تطلع الشمس.

ومع ذلك الناس في غفلة عظيمة جداً عن الله عز وجل.

ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها خيراً إلا أعطاه إياه)، رواه مسلم في صحيحه.

قال أهل العلم: هذه الساعة، هي ساعة نزول الرب تبارك وتعالى، وهي آخر ساعة من الليل، ولذلك شرع لنا الله عز وجل وشرع رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بعد كل عبادة استغفاراً وتكبيراً وتهليلاً؛ حتى نعلم أننا لسنا بمجرد انتهاء العبادة في حل، بل ينبغي أن تدخل في عبادة أخرى بعدها فوراً، قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة:10]، وهذا بعد صلاة الجمعة، فأنت لست حراً بأن تخرج من هذا المسجد فتمرح وتلعب وتضحك، بل مطلوب منك أن تكون ذاكراً لله تعالى في كل أحيانك وأوقاتك، تتبع العبادة بالعبادة وتصلها بعبادة أخرى، قال الله تعالى في الحج: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199] , طواف الإفاضة إنما يكون في يوم النحر بعد الوقوف بعرفة، مع أنه عليه الصلاة والسلام قال: (الحج عرفة)، وفي يوم النحر تكون قد أديت معظم الحج، ولم يبق لك إلا رمي الجمرات، وأعمال يوم النحر قليلة في المشاق والمتاعب بالنسبة ليوم عرفة، ومن وقف بعرفة فقد صح حجه، وإن تخلف عن بعض الواجبات، فإنما عليه أن يذبح دماً.

وبعد أداء الحج والوقوف بعرفة، ونزول المزدلفة والمبيت بها، قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} [البقرة:199]، لِمَ نستغفر الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم قد بين لنا أن من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجه كيوم ولدته أمه، وفي أرجح أقوال أهل العلم: إنه قد غفر له جميع الذنوب كبيرها وصغيرها؟ فلم نستغفر الله تعالى إذاً؟ لوصل العبادة بالعبادة، وأن يكون المسلم متصلاً بالله عز وجل في كل أحيانه وأوقاته وهكذا.

وقال الله تعالى: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18]، والأسحار: هو الوقت الذي يسبق الفجر.

يقول الحسن البصري في معنى الآية: هؤلاء قد وصلوا قيام الليل بوقت السحر، فأمروا بالاستغفار بعد صلاة الليل الطويلة.

يعني: بعد قيام معظم الليل يؤمر العبد أن يستغفر الله في وقت السحر، الذي هو شرف المؤمن وعزه ومغفرة ذنبه، وهو دأب الصالحين قبلكم، ومطردة للداء عن أبدانكم، ومنهاة للإثم عنكم، ومع ذلك نؤمر بالاستغفار بالأسحار بعد طول قيام الليل؛ وصلاً للعبادة بعبادة أخرى، ولأجل حياة كريمة طيبة للمؤمن مع ربه عز وجل، ولذلك قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] يعني: أو من كان ميتاً قلبه بظلمات الكفر والنفاق، وبظلمات المعاصي والآثام، فأحيا الله تبارك وتعالى قلبه بنور الوحي والإيمان، وجعل يمشي به في الناس.

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه هذا النور هو نور الوحي المتلو وغير المتلو، نور القرآن، ونور السنة، ونور الطاعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015