وأما الوقفة الثانية: أن الإنسان قد يدخل الإسلام بعد كفر وشرك، فلا يثبت على النهج الصحيح، حيث ينحرف عنه إلى البدعة والهوى؛ لأن العبرة ليست بمجرد دخوله في الإسلام، وإنما العبرة بالثبات على هذا الإسلام، والثبات على الإيمان؛ ولذلك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].
فلو نصرنا الله تبارك وتعالى ولم يثبت أقدامنا على هذا النصر فإنه لابد أن ننزلق مرة أخرى إلى الهزيمة؛ لأننا لم نثبت على النصر، ولم نستمسك بالسنن الظاهرة والباطنة، فعاقبنا الله تبارك وتعالى بأن سحب منا الثبات على النصر، فكانت الأيام دولاً: اليوم منصورون، وغداً مهزومون.
وقال الله تعالى آمراً نبيه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:112] أمره بالاستقامة على الأمر الذي كلفه به، وأمره أن يكلف أمته بذلك كذلك.
ولذلك كثير من أهل الكفر والشرك في بلاد أوروبا وأمريكا يدخلون في الإسلام -خاصة في غير بلاد المسلمين- ويرتدون غداً، والذي سافر إلى هذه البلاد يعلم هذه الحقيقة؛ لأنه يراها في كل يوم، الرجل الآن يدخل في الإسلام وقبل صلاة العشاء ربما يرتد عن الإسلام مرة أخرى.
والسبب الرئيس في ذلك هو حال المسلمين في هذه البلاد، فالكفار إذا دخلوا في الإسلام لا يجدون فارقاً عظيماً بين ما كانوا عليه، وما عليه المسلمون من أخلاق وسلوك وآداب، بل ربما تأدب أهل الكفر فيما بينهم بآداب يفقدها كثير من المسلمين، ولا أقول: إنها ليست في الإسلام، بل إن كل أدب دعا إليه الإسلام وحث عليه، ولكن المسلمين تخلوا عن هذه الآداب والأخلاق والسلوكيات، فيرى الكفار بعد إسلامهم كل المخازي والرزايا والمعايب في علاقات المسلمين مع بعضهم، فيقولون: إذا كان هذا هو الإسلام فالكفر أفضل منه، فيرتدون إلى ما كانوا عليه آنفاً.
هذا من جهة.
من جهة ثانية: أن الكفار والمشركين إذا أسلموا تلقفتهم أيدي بعض المثقفين من المسلمين الذين لا علاقة لهم في الغالب بدين الله تبارك وتعالى، ولا بأصول معتقد السلف، ولا بشرائع الإسلام على جهة الخصوص، ويصنعون منهم نجوماً عظيمة، كما يصنعون بأهل المعاصي إذا تابوا من معاصيهم، فإن الراقصة اليوم إذا تابت صارت إمامة في الدين غداً، هذا أمر.
والمرء من شدة وجده وحزنه ينخرط وينعقد لسانه أن يتكلم في ذلك، كأن تكون راقصة الأمس مفتية اليوم في دين الله عز وجل، أو أن يكون لاعب كرة ترك اللعب ثم يتلقفه أصحاب اللحى، ويرفعونه على أكتافهم ويهتفون به في شوارع القاهرة، أو في شوارع الرياض، أو في شوارع أمريكا وأوروبا، هل هو تاب لنفسه أم تاب للإسلام والمسلمين؟
صلى الله عليه وسلم تاب لنفسه، ورجع عن غفلته، وهذا لا يعني أنه صار إماماً ومفتياً كما يصنع كثير ممن يشار إليهم بالبنان.
لما كان رجاء جارودي منهمكاً في أوحال الشرك والوثنية والكفر، وكان منظراً بالإلحاد قبل إسلامه، فلما أسلم عقدوا له مؤتمراً إسلامياً عظيماً في القاهرة، وجلس بجواره المشايخ عن اليمين وعن اليسار، ووجهت الأسئلة من المغفلين إلى رجاء جارودي أن يفتيهم في الاعتقاد، وفي الصلاة والصيام والزكاة والحج، وأنا أقسم بالله أنه إلى ذلك الوقت لا يحسن الوضوء ولا الصلاة! فكيف يستفتى في أمور العقيدة؟! وإن الطالب الذي لم يبلغ الحلم ولم يجر عليه القلم لهو أفقه في دينه من رجاء جارودي، لكن لما كان رجاء جارودي نجماً وصاحب شرف في وثنيته كان لزاماً على المغفلين من المسلمين أن يجعلوه -وفي لحظة إسلامه- نجماً في الإسلام والتوحيد والإيمان، ويجعلوه منظراً لأهل الإيمان والتوحيد، ما هذه الغفلة؟ وما هذا البعد عن الهدى؟! ألم يكن لزاماً على الجارودي وأمثاله إلى يومنا هذا أن يبركوا على الركب عند أهل العلم وطلاب العلم؛ حتى يعلموا كيف يصلون، وكيف يتوضئون، وكيف يصومون إذا أتى عليهم رمضان، وكيف يحجون إذا أتى عليهم موسم الحج، وماذا يجب عليهم أن يعتقدوا في ربهم تبارك وتعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله؟ إن رجاء جارودي يجهل هذا كله؛ ولذلك يعجبني أشد العجب أن شيخنا ابن باز رحمه الله لما سئل عن أقوال قالها رجاء جارودي في إسلامه: أليست هذه الكلمات -يا إمام- مخرجة من الملة؟ قال: ومتى دخل جارودي في الإسلام حتى يخرج منه؟! هذا الرجل البصير علم من هذا الرجل هذا، وهذا شأن العلم، فـ رجاء جارودي وأمثاله ينبغي أن يبركوا على أنوفهم وعلى هاماتهم، ويطئوا بها الأرض طلباً للعلم، لكن ضحك عليه الضاحكون المغفلون الذين يعتقدون أن التقريب بين الأديان واجب، وأقلهم وطئاً قال: جائز، فصدروا رجاء جارودي لهذه المهمة، فجلس رجاء جارودي وكوَّن مجمعاً عظيماً اسمه: مجمع تقريب الأديان، نقول: إن الدين واحد والشرائع مختلفة، ونسخت بشريعة النبي عليه الصلاة