ومن الآفات كذلك التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً، أو غرس غرساً، فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله!] فالذي يبذر بذراً لا بد أن ينتظر مدة من الزمن كافية لإثمار هذا البذر، لكن لو بذر أرزاً أو قطناً أو قمحاً أو برسيماً وتعجل الثمرة في أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين، فاستبطأ الثمر ثم لم يثمر شيئاً، ثم ترك الأرض، فإنه لابد أن يموت الزرع؛ لأنه لم يتعاهده، وكذلك المرء يدعو ثم يتعاهد الدعاء، فيدعو ولا يمل ولا يستحسر حتى يثمر الدعاء، والواحد منا لعرض من عرض الدنيا يصبر ربع عمره أو أكثر من ذلك حتى ينال -مثلاً- شهادة من شهادات الدنيا، مشروعة أو غير مشروعة، ولكنه -الشاهد- يصبر على هذه الشهادة، ولذلك كثيراً ما نضرب مثلاً باستعجال طلبة العلم الشرعي على فهم الكتاب والسنة، فيذهبون للدرس أسبوعاً أو أسبوعين، شهراً أو شهرين، عاماً أو عامين، ثم هو يشعر بأنه لم يفهم شيئاً، فيدع طلب العلم الذي هو أشرف مطلوب على الإطلاق ولا شبهة فيه البتة، لذا فمن أراد أن يعمل عملاً لا شبهة فيه، أو يسلك مسلكاً لا شر فيه فعليه بتعلم أحكام الكتاب والسنة، وأن ينخرط في سلك الطلب ويصبر عليه، وأعظم عدة يتسلح بها الطالب الصبر، فما باله يستعجل الثمرة بعد عام أو عامين؟! وإذا سألته: ما هي الشهادة التي حصلت عليها؟ لقال لك مثلاً: التجارة أو الهندسة أو الصناعة أو الطب، ولو سئل: كم قضيت فيها من عمرك؟ فربما كان خمسة عشر عاماً أو عشرين عاماً أو بين ذلك، ولو سئل أيضاً: هل استعجلت الثمرة؟ لقال: لا، فهو منذ أن كان في الابتدائية وهو يمني نفسه أن يكون طبيباً أو مهندساً أو محامياً أو غير ذلك، فإذا قطع مشواراً أو عاماً أو مرحلة من مراحل تعليمه فرح بدخوله في مرحلة جديدة، وكل ذلك وهو صابر محتسب لأجل الحصول في نهاية ربع العمر أو نصف العمر على شهادة ربما لا ينتفع بها، وربما انتفع بها ونفع بها الآخرين، وليس هذا من باب ذم تلك الشهادات، وإنما نقول: الشاهد أنه صبر عليها، وأولى بالصبر تلك العلوم الشرعية التي فيها الهدى والنور، وهي المعنية أولاً بقوله عليه الصلاة والسلام: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، والمعنية أيضاً بقوله عليه الصلاة والسلام: (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع)، وغير ذلك مما ورد في فضل العلم.
قال: [وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل -أي: ما لم يستعجل الثمرة- يقول: دعوت، فلم يستجب لي)] فحينئذ يستحسر ويدع الدعاء.
قال: [وعند مسلم من حديث أبي هريرة: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله! وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء).
وعند أحمد في المسند من حديث أنس قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل، قالوا: يا رسول الله! وكيف يستعجل؟ قال: يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب)] وما يدريك أن الله لم يستجب لك؟