قال رحمه الله: [ولكن هاهنا أمر ينبغي التفطن له]، أي: إذا كنا نقول: إن العلاج بالقرآن هو أفضل العلاج وأحسن التداوي؛ فلا بد أن يتفطن المعالج -بكسر اللام الأولى- والمعالج -بفتح اللام الثانية- إلى أمور عدة.
قال: [وهو أن الأذكار والآيات أو الأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها هي في نفسها نافعة شافية]؛ لأنها كلام الله عز وجل، وهذا أول شرط، أي: أن نعتقد اعتقاداً جازماً بأن كلام الله تعالى كله شفاء.
قال: [ولكن تستدعي قبول المحل]، وهذا هو الشرط الثاني، فإذا كنا نعتقد أن هذا الدواء الذي وصفه الطبيب هو في ذاته بإذن الله تعالى شفاء، أو هو سبب قوي للشفاء، فلابد أن يتناسب مع المحل، أي: مع العلة أو المرض أو بدن المعلول، حتى يكون هناك توافق وتطابق وتناسب بين الداء والدواء.
قال: [وقوة همة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجح فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء]، فلو أن إنساناً أصيب بحمى، وعلاج الحمى موجود عند أي طبيب، فيصف كيت وكيت من الدواء، وهذا شيء محفوظ ومتفق عليه، ثم أخذه هذا المعلول، لكنه لم ينفع معه؛ لعدم قبول طبيعة هذا المنفعل أو هذا المعلول لذلك الدواء، لذا كان انتفاع البدن بحسب ذلك القبول، ولو أنك قلت لرجل مسحور أو ملبوس أو أصابه جان: يا فلان! أنت عندك من المعاصي كيت وكيت، أتصلي؟ يقول: أنا لا أصلي، كيف لا تصلي؟! إذاً لا ينفع معك العلاج إلا إذا كنت مؤمناً بالله وملتزماً أحكامه وشرعه، فيقول: يكفي، لا أريده.
وآخر يقول: على أية حال أنا رحت إلى أكثر من مائة طبيب وكلهم قالوا لي: أنت ما عندك شيء، لا علة محسوسة ولا غيرها، وإنما اذهب إلى من يعالجونك بالقرآن.
لذا لابد أن يكون عنده اعتقاد جازم بأن هذا القرآن ينفع، لا أن يجرب فقط.
قال: [فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول] فإذا كان القبول في كتاب الله تعالى (100%) نفع معه (100%)، وإذا كان أقل من ذلك -تسعين ثمانين سبعين خمسين صفراً- كان الانتفاع بالقرآن على قدر القبول.
وعليه فالعلة ليست في كتاب الله، وإنما هي في المنتفع بكتاب الله على حسب اعتقاده في كلام الله تعالى، قال: [وكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفس فعالة وهمة مؤثرة في إزالة الداء برئ المريض بإذن الله تعالى]، أي: إذا كان القبول قبولاً جيداً، ووافق الداء الدواء، وكان للمعالج -بكسر اللام الثالثة- نفس فعالة وقوة تأثيرية كبيرة، وكل هذه تدل على التناسب العظيم بين الداء والدواء، فلابد أن يبرأ بإذن الله تعالى، لأن النبي يقول: (فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله)، وهنا إصابة من كل وجه، فلا بد أن يقع الشفاء بإذن الله تعالى.