قال رحمه الله: [فأخبر أن الجهل داء، وأن الشفاء هو السؤال.
وقد أخبر سبحانه عن القرآن أنه شفاء، فقال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت:44]] أما الذين كفروا به، أو شكوا فيه وارتابوا فكيف ينفعهم حينئذ؟ ولذلك لا يصلح القرآن قط أن يكون محلاً للتجارب، فبعض الناس يقول: أنتم جربتم كل المناهج الأرضية والقوانين السفلية فجربوا القرآن الكريم، وهذا كلام في غاية الخطورة، لذا لابد أن نعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا حل إلا في كتاب الله وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن هذا المنهج هو وحده المنهج الذي يحمل بين طياته وبين صفحاته الهداية للعالمين: عالم الإنس وعالم الجن.
قال: [وقال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]]، و (من) ههنا لا تفيد التبعيض، وإنما تفيد الجزم، وكأن تقدير الآية: وننزل القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين.
أما أن يعتقد أن بعض القرآن شفاء وبعض القرآن هدىً وبعض القرآن رحمة وما دون ذلك من القرآن ليس فيه شفاء ولا هدىً ورحمة فهذا لم يرده الله عز وجل من العباد، ولا أراده من كلامه هذا: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]، أي: القرآن كله شفاء ورحمة للمؤمنين، ولذلك يحلو لي أن أقول: إن بعض أهل اللغة يقولون بالحروف الزائدة في القرآن الكريم، وإن كان يترجح لدي أنه ليس هناك حرف زائد في القرآن، وإنما زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فكيف ذلك؟ كما لو قلت: ما جاءنا من بشير، التقدير: ما جاءنا بشير، لكن هناك فرق بين الأمرين: الأول: قوله: (ما جاءنا بشير) ينفي أن يكون قد أتاه بشير، لكن ربما أتاه بشيران أو ثلاثة أو أربعة، فالنفي للمذكور فحسب.
الثاني: قوله: (ما جاءنا من بشير) نفي لجنس البشير، أي: ما أتانا بشير قط، لا واحد ولا أكثر منه، وهذا ما لا يفيده الأول، هنا قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء:82] تأكيد؛ لأن القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين الذين آمنوا به.
وكذلك يحلو لي أيضاً أن أنبه إلى أن كثيراً من الذين أصيبوا بداء الوسوسة، أو بداء السحر ومس الشياطين لا علاج لهم إلا في كتاب الله وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن لابد أن يكون الفاعل -أي: المعالج- صاحب همة عالية، كما أن المريض لابد أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الشفاء بكتاب الله، لكن لو أن الفاعل لا همة له؛ فإنه لا يكون له تأثير في العلاج، وكذلك المعالج -المريض- إذا لم يكن يؤمن بهذا الكتاب إيماناً جازماً، واعتقاداً قلبياً وعملاً بالجوارح؛ فإنه لا ينفعه العلاج، ليس لعلة في كتاب الله تعالى -معاذ الله- وإنما لعلة في الفاعل أو في المفعول به، أي: في المعالج.