الأصل في الطلاق من حيث الحظر والإباحة

اختلف العلماء: هل الأصل في الطلاق الحظر أم الإباحة؟ يعني: هل مباح وأمر مشروع وجائز يفعله المسلم ويوقعه أينما شاء، ويعبث ويلهو به متى شاء بغير ما عذر يحمله على ذلك، أم الأصل فيه الحظر ولا يصار إليه إلا للضرورة؟ مذهب الجمهور -وهو الرأي الذي أذهب إليه- أن الطلاق محظور مكروه إلا إذا دعت إليه الضرورة، وليس الأصل فيه الإباحة، دليل ذلك قول الله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]، يعني: لا يطلق الزوج زوجه حتى مع كراهيته المحتملة لأخلاقها، ولذلك العلماء يعدون هذا من نوع الطلاق المكروه؛ أن يطلق الرجل امرأته وبإمكانه أن يحتمل بعض سوء خلقها، ولذلك ذهب جماهير أهل العلم إلى أن الأحكام الشرعية الخمسة تقع على الطلاق كما تقع على النكاح، فأحياناً يكون الطلاق حراماً، وأحياناً يكون مكروهاً، وأحياناً يكون جائزاً مباحاً، ومندوباً ومستحباً.

قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء:35]، لم يقل: فطلقوهما، وإنما قال: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا} [النساء:35] إلى آخر الآية، فهنا حث الله تعالى على الصلح مخافة الشقاق والنشوز.

وقال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128]، ولم يقل: والفراق أو الطلاق خير، وإنما قال: ((وَالصُّلْحُ خَيْرٌ))، دل على أن بقاء الأسرة ونبذ الطلاق هو الأصل.

إذاً: لا يصار إلى الطلاق إلا في أضيق الحدود لضمان بقاء الأسرة، وحفاظاً على كيانها، وبالتالي الحفاظ على كيان المجتمع بأسره، والمجتمع وإن كان صغيراً أو كبيراً فإن المكون له هو الأسرة التي تبني المجتمعات الإسلامية الإيمانية، أما الإسراع إلى إيقاع الطلاق في كل ما هب ودب فهذا على خلاف الأصل.

أسأل الله تعالى أن يصلح لي بيتي، وبيوتكم، وبيوت جميع المسلمين.

اللهم تقبل منا صالح الأعمال والأقوال إنك ولي ذلك والقادر عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015