إن الحمد لله تعالى؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.
حياة المسلم كلها ينبغي أن تكون مليئة بمظاهر العبودية لله عز وجل، فالعبد لا يكون عبداً إلا إذا سلم لله عز وجل في أمره ونهيه، في حضره وسفره، في حله وترحاله، لا بد أن يكون عمل العبد وقوله ومسلكه ومخبره ومظهره عنواناً للعبودية التامة لله عز وجل، وقد ظن بعض الناس -وإن شئت فقل: أكثر الناس- أن دين الله عز وجل إنما هو صلاة وصيام وزكاة وحج وكفى، ولذلك إذا لمت أحدهم على خطيئة وقع فيها أو معصية ارتكبها قال: أنا والحمد لله أزكي وأصوم وأحج كل عام، ظناً منه أن هذا هو دين الله عز وجل وحسب، وليس الأمر كذلك، بل كل ما يمكن أن يمر به المسلم في يومه وليله وفي عمره كله ينبغي أن يكون محكوماً ومضبوطاً بضوابط الشرع أمراً ونهياً، إتياناً وتركاً، قال الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، وقال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، وهذه آيات عامة مطلقة تحكم حياة المسلم.
أقواله وأفعاله، سلوكياته وأخلاقه في كل وقت وحين.
هناك باب عظيم من أبواب العلم هجره الناس، وبالتالي وقعوا في المأثم والمغرم؛ لأنهم تصوروا أن الأصل في البيع والشراء الحِل على كل حال، وليس الأمر كذلك، فقد أتانا الشرع ببيوع كثيرة محرمة يقع فيها الناس، ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدخل السوق، فإذا وجد بائعاً لا يفقه كيف يبيع ويشتري علاه بالدرة، وقال له: تعلم.
من لم يتعلم ذلك الفقه وقع في الربا شاء أما أبى.
وهكذا كان يفعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وغير واحد من مسئولي الأمة في صدرها الأول كانوا يفعلون ذلك مع الباعة والمشترين في الأسواق، كانوا يحملونهم على أن يتعلموا كيف يبيعون وكيف يشترون، وهذا باب من أبواب العلم الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) صحيح من حديث أنس.
وقال عليه الصلاة والسلام من حديث النعمان بن بشير في الصحيحين وغيرهما: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات).
وكثيراً ما تقع الشبه في البيع والشراء، فلا يدري البائع كيف يبيع، ولا كيف يشتري المشتري، وبالتالي يدخل المرء السوق فيقع في المأثم ويخرج بالمغرم، وهو يظن أنه قد باع واشترى، وهو في حقيقة الأمر ليس عند الله كذلك، بل دخل ليتحمل من الآثام والأوزار ما الله تعالى به عليم، ولذلك جعل الله تبارك وتعالى للبيع والشراء آداباً، وأحكاماً، وأخلاقاً.